حنبعل والشاذلي وحدة القدر والمصير

يوجد تشابه مذهل يكاد يصل إلي حد التطابق بين سيرة القائد العسكري القرطاجى حنبعل وسيرة حياة سعد الدين الشاذلي، ولسوف أرصد في هذه الدراسة تلك التشابهات العجيبة والدروس التي يمكننا أن نستفيد بها في هذه المرحلة من دراسة قصة حياة البطلين الخالدين الأسطوريين، فدراسة تجربتي حنبعل والشاذلي في مواجهة الامبريالية مليئة بالدروس التي ستفيدنا في مواجهة إسرائيل والامبريالية الأمريكية .
كان حنبعل سليل أسرة عسكرية عظيمة وكان لها دورا محوريا في حروب قرطاج ولعبت دورا لا ينسي في الدفاع عن قرطاج وحماية ممتلكاتها، وكذلك كان الحال بالنسبة لسعد الشاذلي فلقد خدم أجداده في الجيش المصري منذ أيام محمد علي باشا الكبير.
يعتبر حنبعل رمزا للعسكرية القرطاجيه، وابرز قادتها علي الإطلاق وأكثرهم عبقرية ونجاحا، وفي الحقيقة يعتبر حنبعل من أهم وأبرع القادة العسكريين في التاريخ، ولاتزال التكتيكات البديعة التي ابتكرها حنبعل تدرس في الأكاديميات العسكرية بعد أكثر من ألفي عام من وفاته، وهذا دليل علي عبقريته الأسطورية، وعلي الجانب الآخر يعتبر القائد العسكري العظيم سعد الشاذلي رمزا للعسكرية المصرية وأبرز قادتها وأهمهم وأكثرهم عبقرية ونبوغا ولاتزال خطة العبور البديعة التي وضعها الشاذلي تدرس في الأكاديميات العسكرية إلي اليوم .
علي الرغم من أخلاص حنبعل المطلق لأمته وجهاده الطويل من أجلها الا أنه لاقي الجحود والخيانة من السياسيين القرطاجيين والطبقة الارستقراطية حيث رفضوا أمداده بالتعزيزات اللازمة للقضاء علي روما مرة واحدة والي الأبد بعد نجاحه المذهل وانتصاره علي الرومان في ثلاث معارك متتالية داخل ايطاليا ولم يكتفي هؤلاء برفض إرسال التعزيزات بل حاولوا تسليمه إلي الرومان من اجل أرضائهم، فاضطر حنبعل إلي الخروج من بلده وعاش عمره منفيا مطاردا من الرومان، واضطر في النهاية ان يقتل نفسه بدلا من ان يقع أسيرا في أيدي الرومان، نفس الجحود والخيانة تلقاها البطل الخالد سعد الدين الشاذلي من الســادات ونظامه فاضطر إلي ان يخرج من مصر وان يعيش في المنفي، وحين عاد إلي مصر تم تجريده من الأوسمة العسكرية وإيقاف معاشه وتم سجنه ثلاث سنوات من أجل أرضاء إسرائيل ولم يتم تكريمه في أي احتفال بذكري النصر الذي صنعه وخطط له ولم يتم ترقيته إلي رتبة فيلد مارشال مع أنه يستحقها بجداره منقطعة النظير، فهو لا يقل أبدا عن أي قائد عسكري عبقري مثل رومل ومونتجومري وايزنهاور فهو من أبرز القادة العسكريين في التاريخ.
العبور الأسطوري والملحمي لجبال الألب الذي قام به حنبعل جعل منه بطلا أسطوريا وخلد اسمه كأعظم القادة العسكريين في التاريخ، وكذلك العبور الأسطوري والملحمي لقناه السويس الذي قام به الشاذلي جعل منه بطلا أسطوريا وخلد اسمه كأعظم القادة العسكريين في التاريخ .
أعظم ما يميز حنبعل هو ولاءه المطلق لامته وإيمانه بنفسه وبإمكانياته العقلية الفائقة، فلم يقع حنبعل في فخ الهزيمة النفسية ولم يصدق أبدا ان الرومان لا يمكن هزيمتهم، فلقد عرف نفسه وإمكانياته جيدا وكذلك أدرك الواقع بصورة مذهلة واستطاع ان يستغل نقاط القوة لدي أمته واستطاع تقيم إمكانيات العدو وأسباب قوته ومواضع خطورته واستطاع بعبقريته ان يتغلب علي الصعوبات التي واجهته في الحرب .
أدرك حنبعل أن المعرفة الصحيحة بالواقع وموازين القوة وان الإبداع والعلم هي أهم الأسلحة التي سيواجه بها عدوه، وكانت له مقولة مشهورة "سنجد حلا او سنصنع واحدا".
كان حنبعل يميل إلي القيام بما هو غير متوقع وكان متقدما علي عدوه بخطوات في التفكير والتنفيذ، فلقد قضى حنبعل جل عمره يتعلم ويفكر ويدرس كيف يقضي علي الرومان، فقد كان هدف حياته واضحا أمامه منذ أن وعي وهو القضاء علي روما مرة واحدة وللأبد .
للقضاء علي العدو الاستراتيجي فكل ما يحتاج اليه المرء هو الإرادة والعلم والإبداع وإدراك الواقع بصورة جيدة والقيام بما هو غير متوقع .
كل ما فعله حنبعل فعل مثله الشـــاذلي فلقد كان له هدفا واضحا منذ البداية وكانت له إرادة قوية جدا لتحقيق هذا الهدف وكان يؤمن بنفسه وبإمكانياته العقلية التي تستطيع بالإبداع ان تحقق الهدف المطلوب منها وقضي عمره يدرس ويتعلم ويجمع المعلومات الصحيحة التي سيحتاجها لتحقيق الهدف وكان يجد القيام بما هو غير متوقع وكان متقدما علي عدوه بعدة خطوات في التفكير والتنفيذ وأدرك إمكانيات عدوه جيدا ومواضع خطورته وعرف كيف يتغلب عليها بالإبداع وقوة دماغه وأدرك نقاط قوة أمته ونقاط ضعفها.
كان الشــاذلي امة بحد ذاته بفضل أيمانه بربه وبنفسه وبعظمة أمته وبفضل عبقريته النادرة وإبداعه الخالد فاستحق بذلك المجد والخلود واستحق أعدائه العار والاحتقـار .
لكي تنجح الأمة في مواجهة عدوها فإنها تحتاج إلي العسكري الموهوب والسياسي المحنك والمخلص، ولابد من وجود الاثنين معا، ولابد ألا يتدخل السياسي في الشأن العسكري، ولا بد الا يتدخل العسكري في شئون السياسة، هذا هو الدرس الأهم من تجربة الشـاذلي وحنبعل