الحقيقة وبريق الذهب

أحب الاستكشاف وأعشقه ، لدرجة أنني فكرت في اختراق الفضاء وسبر أعماق الأرض .
المجال الأول غير متناه ولا أعرف إن كان له حدود ...أما المجال الثاني فهو متناه وله حدود.
إذاً لماذا لا أفكر في اكتشاف أعماق الأرض نعم إن لدي من القدرة المادية ما يساعدني في البحث والتنقيب .
لدي قطعة أرض صغيرة في طرف الجبل ... إنها مناسبة... وسأبدأ بالحفر ولن أتوقف ...
في الطبقة الأولى وجدت جذور النباتات الصغيرة كانت قليلة الطموح جذورها صغيرة ، فلم تنم كثيراً .... تماماً كبعض الشخصيات ضعيفة التفكير ضعيفة الطموح تعيش صغيرة ملتصقة بالأرض.
لم تعجبني هذه النباتات الضعيفة ذات الأفق الضيق .
فواصلت الحفر حتى وجدت جذور الأشجار الضخمة ، لقد تعمقت هذه الأشجار أكثر وتعبت أكثر في سبر الأغوار ، فحصلت على المكانة الأعلى و القرب من ضوء الحقيقة .. نعم إنها أعظم من سابقتها ، لكن طموحي أعظم وأعظم سأواصل الحفر والتنقيب ...
وصلت إلى الطبقة الصخرية ... المهمة الآن أصبحت صعبة ...وسأستخدم وسائل أكثر تطوراً في الحفر ..
لاشك أن هذه المستحاثات المنقوشة على الصخرتثبت أن المنطقة كلها كانت مغمورة في الماء وهذا ما يتوافق مع تاريخ الأرض .
نعم لقد درست في كتب التاريخ والجغرافية و ها أنا ذا ألمس ذلك بكلتا يدي ..
إنه شعور رائع أن يتوافق العقل مع لب الحقيقة .....
لكنني سأواصل... لأن طموحي أكبر ... تابعت الحفر مئات الأمتار في عمق الأرض وكنت في أشد درجات الحيرة و الدهشة عندما وجدت أثاراً قديمة تدل على حفر قديمة ، لكنها منسقة تدل على وجود تنظيم عقلي .... الأمر غريبٌ جداً أن تجد هذه المغارات المحفورة وهذه الأشكال الغريبة على هذا المستوى ... الأمر فعلا يستحق التضحية و المتابعة .. فكلما تعمقت في البحث عن الحقيقة ازددت رغبة أكثر في التعمق ...

ولكن ألا يجب أن أتوقف ؟ فالله خلق لنا قدرات معينة وقيدنا بحدود لا يجوز تجاوزها .... لكن ماذا أفعل بهذا الطموح الذي يشتعل في أعماقي ..لا.. لن أتوقف . سأواصل الحفر و التنقيب .

يا إلهي ما هذا ؟! أيعقل ما أراه ؟!
إنه قبر محاط بقطع كبيرة من الذهب .. يا إلهي ...لا بد أنها النهاية .

لقد عوضني الله عن تعبي وجهدي ... ومنحني أرزاقا تعوضني عن كل ما صرفته أثناء الحفر ... بل إن هذه الكمية من الذهب تكفيني لأمتلك نصف العالم ...

يا إلهي هل أنا أحلم لا.. لا.. إنها الحقيقة ... فصوت الحفارات لازال يرن في أذني إنها الحقيقة ...
لكن لماذا أتوقف .. أنا لا أقتنع بشيء اسمه حدود فلا بد أن أكمل ... سواء أكان هذا طموحاً أم طمعاً فسأكمل ...
وإن وجود هذا القبر قد يرشدني إلى مئات القبور المحاطة بالذهب .... نعم إنه الذهب ... أغلى المعادن على سطح الأرض .....
سأتابع الحفر في هذا الاتجاه .... ما هذا ؟؟
يا الله لقد صدق توقعي ... إنها مغارة كبيرة يجري فيها نهر ؟! ما أجمل هذا المكان ...والأجمل من هذا تلك القبور المحاطة بالذهب ...إنها قبور محاطة بالذهب ...أيكفيني هذا ؟؟

لا... لا... فلا يوجد إنسان يشبع من الذهب ... سأتابع طريقي وخاصة أنني لم أعد أحتاج إلى حفر فهنا المغارات كبيرة جدا وأشعر تماما أنني على سطح الأرض....
ما يزعجني فقط هذا الظلام .... ورائحة الموت التي تنبعث من المقابر.... لكن نور الذهب يضيء كل شيء لابد أن أخفي هذا السر عن كل البشر .... وإلا فقد يحاربونني عليه ..... وقد أفقد حياتي بسبب طمع الآخرين بالثروة التي اكتشفتها بأفكاري ومولتها من أموالي ....

وحتى أحمي نفسي لا بد أن أقتل ثلاثة عمال عرفوا سر الذهب ....

نعم سأقتلهم جميعا بنفس أصابع الديناميت التي حفروا بها هذه الأرض ....لكن يا إلهي هل بدأت أفكاري تتبدل و مشاعري تتحول ؟؟ هل أبدلت نور الحقيقة بنور الذهب ؟؟
وهل تحولتُ من إنسان مفكر إلى مجرم قاتل .... يقتل مساعديه ؟

يا إلهي ما هذه النفس البشرية ؟!
لكن لابد من القتل حتى أحمي حياتي ..

سأنتظر حتى أعود فأطبق خطتي ..لأنني قد احتاج الى المساعدين في طريق العودة ..

سأفتش كل هذه الكهوف القديمة ..
يا إلهي من أوصل الإنسان إلى هذه الأعماق ؟

هل هذا ما أخبرتنا عنه الكتب السماوية .. بوجود أقوام غيرنا ؟؟
وما هذا الصوت ..إنه كلام غير واضح ..

كيف هذا وأنا وحيد هنا ؟
إنهما رجل و امرأة طاعنان في السن يلوحان بيديهما .
ـ من أنت ؟؟
ـ إنني باحث .. باحث عن الحقيقة ؟
ضحك المسنان من كلامي ..فانفجرت غاضبا :
ـ و هل في كلامي ما يضحك ؟
ـ معاذ الله يا بني ولكن لا أجد في يديك إلا كتلا من الذهب فهل الحقيقة تكمن في بريق الذهب ؟
ـ لا...لا... ولكن وجدت هذه القطع الذهبية مميزة عن غيرها فاحتفظت بها
تابعت العجوز :

ـ لن أسألك كيف وصلت إلى هنا .... لأن أجدادنا سلكوا نفس الطريق منذ مئات السنين ... وحشرنا هنا بسبب انهيار صخري .
ـ وكيف استطعتم البقاء على قيد الحياة طوال هذه المدة ؟
ـ هل تتوقع أن الله ينسى عبدا من عباده ...إن كان فوق الأرض أو تحت الأرض ؟!
ـ لا أشك في ذلك ولكن لماذا لم تفرحوا بقدومي ...فهذا يدل على طريق العودة والنجاة !
ـ ومن قال لك إننا نريد العودة إلى الأرض مرة ثانية !
ـ وكيف تريدون البقاء في هذا المكان بانتظار الموت !
ـ وهل تظن أن البشر على سطح الأرض لا ينتظرون إلا لحظة الموت ؟!
ضحك العجوزان وأشارا إلي لأتبعهما ... ففعلت مذهولا

فتحا بابا صغيرا ... فإذا به يوصلنا إلى بيوت من الذهب الخالص .... الكراسي و الطاولات و الجدران و الأدوات كلها من الذهب ..

ولا يوجد في هذه المغارة إلا قطعة خشبية وقد وضعت في مكان مزركش على أجمل رف ...؟!
ـ أنا لم أفهم أي شيء ماذا يجري هنا ... هل انقلبت المقاييس ؟!
ـ يا ولدي ... لقد حشرنا في منجم من الذهب الخالص

كل شيء حولنا من الذهب .... ففقد الذهب قيمته !! وهذه القطعة الخشبية المحفوظة هي أغلى ما نملكه في هذا السجن الكبير .....
سقطت قطع الذهب من يدي ... وسقطت معها كل قيم الجشع و الأنانية ...

لقد أدركت الحقيقة .....
فعندما ننتقل إلى عالم آخر تتغير كل المقاييس ..

ـ ما رأيكم أن نصعد معا إلى سطح الأرض ونخبر العالم بما رأينا لعلهم يتعظون !!!
تجيب العجوز :

ـ و كأنك يا ولدي لم تسمع بأصوات الانهيارات التي دوت مع سقوط قطع الذهب من يديك !
ـ لم أنتبه ..... وماذا تقصدين بذلك ؟
ـ إنها انهيارات أرضية شديدة أغلقت عليك طريق العودة .

نعم.... نحن البشر .... عندما ندرك الحقيقة تتغير كل المقاييس في عالم جديد....

نعم يا ولدي .... كل البشر سيلحقونك في طريق الذهب ...ويأتون إليك ....

ولن تستطيع أن تقنع أحداً أن يتوقف عن سلوك طريق الذهب !! لأن طريق العودة ممنوع !!

بقلم الدكتور / مصطفي جواد

مش عارف اقول ايه ؟ بس الموضوع جميل جدا فعلا

للأسف الشديد اصبح بريق الذهب يشدنا ومهما حاول

غيرنا نصحنا بانه لاقيمة له وان الدنيا ليست مالا وفقط

ولكننا نسير كالاعمى تجاه ما نراه نحن وفقط ولا نصدق

ان الذهب بلا قيمة الا اذا تحولنا الى عالم لا يعترف

بقيمة الذهب . اذا ملكت الذهب فى عالم غير العالم وفى

مكان غير المكان ساعتها فقط ستشعر ان الذهب والمال

لاقيمة لهما الا فى عالمنا الوهمى . شكرا ايمن على

الانتقاء الجميل وكل الشكر للأستاذ مصطفى جواد صاحب

الموضوع القيم .

جزيل الشكر يا ايمن باشا علي الموضوع القيم
وفي وجهه نظري المتواضعه ان الناس عليها العامل الاساسي
فهم بداخلهم الاراده التي تجعلهم ينصاعون الي
حب اللذات والجري واللهث وراء ما هو كل زائف
او العدول والتعقل في الاختيار الصواب
فالناس معادن يا صديقي العزيز
تسلم علي حسن الانتقاء

سعيد

ابو حسام

شكرا علي مروركما الكريم