قبل عدة شهور من الآن كنت قررت ألا أكتب فى السياسة وأن أستريح وأكتب عن
رحلاتى إلى بلاد الله وعن خلق الله، ولكن قاتل الله السياسة التى كلما
ابتعدنا عن الكتابة فى شؤونها كتبت هى فى شؤوننا ما نحب وما نكره وفى
الآونة الأخيرة كتبت على قفانا وقفا المصريين جميعا. عموما.. لابد أن
تعودوا لقراءة الحلقات الخمس الماضية ولينك المقال الأخير هو:
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=293040، قلت فى المقال الخامس من السلسلة إننى دخلت الكويت بعد أن تم ختم جواز
سفرى وخرجت من باب المطار وأنا أتعثر فى حقيبتين كبيرتين.. كان فى انتظارى
سائق خاص يلبس دشداشة ويتكلم لهجة خليجية وسيارة فارهة وفور أن رآنى قال لى
هلا أستاذ شارل.. أخوك أبوعبدالله من العراق.. نظرت للرجل نظرة لم يفهم
مغزاها وهممت برفع الحقيبتين من على الأرض لوضعهما داخل شنطة السيارة وفى
رأسى سؤال لا أجد له إجابة..
كيف يكون الرجل عراقيا والعراق دخل التاريخ بغزوه للكويت- من أسوأ
أبوابه– وأخرجها من الجغرافيا وقتها باعتبارها المحافظة رقم 19 ويكون مثل
هذا السائق موجوداً على أرض كويتية ويعمل وله وظيفة.. إجابة السؤال جاءتنى
بعد ذلك بطريق غير مباشر، حين علمت أن هذا السائق أنقذ صاحب العمل
الملياردير من القتل بعد أن تم خطفه وإدخاله إلى العراق فأبقى عليه من باب
رد الجميل.. المهم أن هذا الرجل تم طرده بعد ذلك لأنه «لعب بديله»، فيما
يخص صاحب العمل الدونجوان.
أخذتنى السيارة بعد أن طردت الأفكار السياسية التى تسيطر على رأسى، خاصة
صورة صدام حسين الذى كنا نرى وقتها أنه محرر العرب وقت أن كنت أميل إلى
الفكر القومى العربى والحمد لله أن الله تاب على وأصبحت ليبراليا.
المهم أخذنى السائق إلى مقر العمل مباشرة وكان من المفروض أن يذهب بى
إلى المنزل.. وقابلنى مدير مكتب رجل الأعمال الذى يملك الصحيفة التى كنت
ذاهبا للعمل بها واسمه أيضا أبوعبدالله، وكان شيعيا لبنانيا دمث الخلق..
هادئ الطباع.. عندما يتكلم تشعر معه بفيض من المحبة.. هذا الرجل كما يقولون
ارتحت له لله فى لله.. وبالفعل أصبحنا أصدقاء بعد ذلك رغم فارق السن فأنا
عمرى 27 عاما وقتها والرجل تجاوز الخمسين بقليل وهو ما ظهر بعد ذلك فى
مساندته لى فى المشكلة الأولى والأخيرة التى تعرضت لها وسأحكى لكم فيما بعد
ما هى.
أبوعبدالله اللبنانى قال لى إننى سأذهب إلى السكن ووجه كلامه إلى
أبوعبدالله العراقى وفهمت من الحديث أننى ذاهب إلى سكن الموظفين والعمال
وهو سكن غير آدمى وللمصريين فقط، ولكنهم كانوا يتحملون ذلك فى هذا البلد
ويضغطون على كرامتهم، لأن رئيسهم وقتها- مبارك- لم يثر ولا مرة واحدة
لكرامتهم التى هى من المفروض من كرامته.. فور أن تأكدت رفضت بشدة لأن العقد
يقول غير ذلك وقررت أن أعود من حيث جئت على الفور وبدأت فصول أزمة كادت أن
تنتهى بجريمة قتل.. من سيقتل من؟ الإجابة فى المقال المقبل.
المختصر المفيد
لم أر من قبل حمارا يتكلم ولكننى رأيت بشراً كثيرين يتكلمون كالحمير.. «هاينريش هاينه» الشاعر الألمانى الكبير.