أن تستعين بآيات القرآن الكريم
في حياتك, وحديثك وحواراتك, وكتابتك, فهذا بلا شك أمر محمود, بل
ومطلوب.. إلا عندما يتعلق الأمر بألاعيب السياسة وأكاذيبها.
السياسة حداقة.. وصفقات ومصالح, وتلاعب بالأفكار والعقول, وهات وخذ.. وهذا
طبيعي في عالم السياسة ومفهوم, بينما القرآن الكريم قدسية وجلال وصدق,
وبالتالي لا ينبغي لك استخدامه هكذا كيفما اتفق, إلا وفق شروط محددة وصارمة
جدا.
فأنت أيها السياسي المحترم, عندما تشهر القرآن كسلاح في وجهي, فليس أمامي
آنئذ إلا حلان: إما أن أسكت مرغما, وأكتم في بطني غيظي وإحساسي بالعجز,
وهنا تتكاثر الأحقاد, وتتناسل الضغائن في النفوس..أو سأضطر إلي أن ألاعبك
بلعبتك, وأستشهد أنا أيضا بآيات أخري منه تؤيد وجهة نظري..وهكذا يتحول
القرآن الكريم إلي سلاح في يد السياسيين, يستخدمونه متي شاءوا, ويمتنعون
متي امتنعوا.. فهل أنزل رب العزة القرآن الكريم لتلك الغاية؟
خذ مثالا علي ذلك, استشهاد الدكتور محمد بديع مرشد جماعة الأخوان
المسلمين, بإشارات من القرآن لوصف بعض الإعلاميين بأنهم سحرة فرعون. هنا قد
يرد عليه إعلامي( هو الآخر مسلم مثل فضيلة المرشد!) بآية أخري تتهم المرشد
باتهام ليس فيه.. ومن ثم ندخل إلي دائرة خبيثة من الاتهامات والاتهامات
المضادة لاتسمن ولا تغني من جوع!
الخطورة الأخري, للاستعانة بالقرآن في الجدل السياسي العقيم, أن تلك
الاستعانة ستدفع علي الظن بأن فريقا واحدا من الفرقاء السياسيين هو الذي
يملك وحده رخصة استخدام القرآن الكريم, بينما الآخرون محرومون من تلك
الميزة, مما يؤدي إلي الغضب والثورة والرفض( وربما الاستبعاد!) فهل يصح أن
نجعل القرآن عرضة للرفض والثورة والغضب في هذا الزمان المائج بانعدام
اليقين أصلا؟
وهناك فضلا عن ذلك خطورة ثالثة, وهي أن اللحظة الراهنة من عمر مصر, هي
لحظة بروز الإسلام السياسي, كواحد من أهم اللاعبين علي مسرح السياسة, وقد
يفهم البعض خطأ أن القرآن الكريم هو إحدي أدوات اللعب كأي أداة أخري.. وهذا
ما لا يتفق أبدا مع عظمة كتاب الله وجلاله.
فيا أعزائي السياسيين الأفاضل.... القرآن باق ـ مابقي الدهر ـ وأنتم الزائلون.