الحب موهبة وليس صنعة //مقال أعجبنى

من حسن حظك أن تحب والأفضل من ذلك أن تنجح في التواصل مع من تحب ، الحب شعور إنساني راقي ينبع من نور النفحة الربانية داخل البشر ، أحيانا يقف حاجز البشرية الطيني حائلا دون التواصل ، ولا يعرف الآخرين كم تحبهم .

في حومة المشاغل اليومية تجري الأم يمينا وشمالا بين أعمالها ومهامها المتعددة ولا يصل لأطفالها منها سوي الأمر والنهي والصوت العالي و أحيانا الضرب والتوبيخ ، ينظر الطفل البرئ لعيني أمه بحب واحتياج صافي فلا يجد سوي عيون متنمرة أو علي الأقل باردة ، متي إذن يشعر الأبناء بالحب ؟ متي يفهمون أن كل ما نفعله لأجلهم ؟ متي يفهمون أن الجري والجهد و تشمير الأكمام من أجل راحتهم ؟ متي نحصل علي لحظات صافية يتم فتح خط اتصال عاطفي معهم ويظل مفتوحا طيلة الحياة ؟ قبل أن يبحثون بطريقتهم عن الحب والانتماء خارج البيت .

بين الزوجين روابط متعددة وليس من بينها الحب ، هو ينتقد كل ما فيها وهي لا تجده فارسها ، يطلب منها أن تغير حتي طريقة كلامها و تفكيرها وهي تطالبه بتحقيق أحلامها ، لم ينجحا في التواصل ، رغم المحاولات العديدة و التي غالبا ما تكون من جهة الزوجة فهي الأكثر اهتماما ، تطبق كل النصائح وتجرب كل الوصفات وكلما لاح أمل الحب عاد وخبا ، للأسف لا تنجح تلك الوصفات لأن الحب موهبة مشعة وليس صنعة لها مقادير وخطوات .

ماهو السر ؟ ولماذا ينجح البعض دون جهد ويخفق من بذل قصاري جهده ؟
لا أدعي المعرفة الكاملة لدي فقط نظرية ربما تصيب ، شعله الحب داخلنا أساسها نور الإيمان فإذا ظلت مضيئة بسبب الطاعة فإن وهجها يمس القلوب سريعا ودون جهد .
الزوجة التي تتفاني في إرضاء زوجها بلا جدوي ، هل أنت بارة بوالديك ؟ هل تحفظين لسانك ؟ هل تشكرين نعمة ربك ؟ هل تصبرين علي الابتلاء ؟
إذا كانت الإجابة ( لا ) فلن تفلح محاولاتك ولن يصله منك سوي النفور فالشعلة منطفئة .
ـ ـ ـ ـ
والدتي مريضة ، في الحقيقة هي تتقلب في أوجاع الشيخوخة منذ عدة سنوات ولكن ما يقلقني في الفترة الأخيرة أنني أشعر بالحاجز البشري بيني وبينها ، أتكلم وهي معرضة ، انظر لعينيها فتخفضها ، أحاول إضحاكها فتغضب ، أتحدث عن الذكريات فلا تبالي ، أروي أخبار أخواتي فلا تهتز لفرح أو حزن ، سافرت أمي بعيدا وهي تجلس بجواري ، أمي المتعلمة الرقيقة البشوش الجميلة شديدة الحساسية والإنسانية اختفت داخل نفسها و أغلقت الباب .

كان أمامي وقتا طويلا من قبل لأعبر لها عن حبي وشكري وامتناني ، كان المجال واسعا لأقبل الأيادي التي حنت وربت وأضم القلب الذي رعي و الفم الذي دعا ، ولكني كنت منشغلة بمهام حياتي اليومية التي أراها الآن قليلة القيمة والأهمية أمام نظرة رضا وابتسامة طمأنينة من أمي .

لماذا كنت غبية إلي هذا الحد ؟ لماذا لم أنتهز ألف فرصة وفرصة ؟ لماذا أجتهد الآن في الوقت الضائع ؟ هل نضيع العمر في الانشغال بالأعمال الدنيا ولا نعطي قلوبنا فرصة للحب ؟
أحبك يا أمي وأحببتك دائما و آسفة علي أي تقصير أو انشغال ، كنت دائما متسامحة فهل سامحتني ؟
أحبكم يا أولادي أكثر مما تتخيلون فهل نجحت في إيصال الرسالة لكم ؟

أحب الكتابة أيضا لأنني أسكب روحي من خلالها وأكتشف نفسي وأستأنس بالتواصل الراقي مع من يفكر معي وأعتذر لأن حروفي اليوم مبعثرة وخالية تماما من الصنعة .