صرخة ندم \ بقلمى

نشأت وحيداً لأبوين بذلا كل ما فى وسعهما من أجلى... اسرة بسيطة متوسطة الحال او قل أقل ولكنى يوما لم اشعر بهذه البساطة ..وكيف اشعر بها وكل ما اطلبه أجده يقدم لى بكل سعادة ورضا من كليهما ...ام تشرق الشمس من وجهها وتضمنى بعيونها وقلبها قبل ان تحتوينى احضانها أب تنعكس ابتسامته نورا يضىء الوجود من حولى ....ابتسامة ما ترجمت شفراتها ولا عرفت قدرها 
وما كانت شفرات بقدر ما كانت غشاوات على عينى وحدى لسوء طالعى 
مرت الأيام بشكل هادىء جداا بالنسبة لى ولا ادرى كيف كان بالنسبة لهم فلم افكر يوما فى سؤال ابى العامل فى احدى المصالح الحكومية كيف يوفر لى حاجياتى 
فقد كان رجلا مقلا فى الكلام بطبعه وانا ما كان يشغلنى سوى نفسى وفقط
انهيت تعليمى الجامعى بكلية التجارة وتوفيت والدتى فتركتنا نحيا فى سكون وكأن جدران البيت تإن لفقدانها ووالدى قد نحل جسده وتجعد وجهه لكنه لم يبدل بسماته كلما تطلع بوجهى لكنه لم يكن ليشغلنى حتى ان افكر فى كيف يكون حاله بعد فراق رفيقة عمره كنت اسعى جاهداللعمل خارج مصر وقد منحنى أبى هذه الفرصة كعادته من خلال أحد معارفه وحصلت على فرصة العمل فى المملكة السعوديه وتركته وسافرت ولم افكر حتى يوما ان ارسل له دعوة لتأدية مناسك حج او عمرة مثلما يفعل من حولى ...قولوا ما تقولونه عنى فأنا استحق كل ما سيقال ...فكرت فى الاستقرار والزواج مع أول إجازة بعد ان رشح لى احد الأصدقاء اكثر من فتاة اخترت من بينهن احداهن كما ارادت لى الأقدار وبارك ابى الزواج وعشنا معه فى منزله بعد اضافة بعض اللمسات التى تتناسب ووضعى الجديد لكنه طلب منى ان تبقى غرفته كما هى دون اى تغيير او حتى دهان جديد واستجبت لطلبه لأنه لن يضرنى فى شىء 
وكانت الزوجة كالملاك البرىء أخذت بقلبى وعقلى فى مدة قصيرة جداا وكانت تظهر التودد له وتتعامل بمنتهى اللطف مع كلينا 
وعدت الى عملى تاركا اياهم وكنت ارسل لها حوالة شهرية بما تطلب وكان سقف الطلبات يرتفع تدريجيا وكلما سألتها عن سبب هذا الإرتفاع تقول انها مطالب والدى الذى اصبح يصرف ببذخ وكانت تشكو لى منه مر الشكوى مع كل اتصال وكنت اتعجب حينا مما تقول وأثور حينا غيرة عليها واوبخه كلما حادثته طالبا منه ان يعاملها معاملة حسنة فلا اسمع منه إلا الموافقة على ما أطلبه وتتجدد الشكوى مع مزيد من المطالبة ان أودعه احدى دور المسنين فقد اثقل عليها وهى ما عادت تستطيع التحمل وكانت دموعها توغر صدرى ضده حتى اقمت بينى وبينه سياج ولم اعد احادثه لأطمئن عليه ولكنى ارفض مطلبها لإنى اخشى توبيخ الناس من حولى ان اودعته دار المسنين وليس شفقة عليه 
عدت الى مصر فى إجازة قصيرة كنت اتجنبه فيها وأعرض عنه وإن التقيته فى وجهى اردد نفس كلماتى بحدة ان يتجنب اغضاب زوجتى ويكف عن مطالبه الكثيرة التى تزعجنى 
والعجيب انه ما كان ليجادلنى قط بل كان يهز رأسه ايجابا داعيا لى بزيادة الرزق وان يهبنى الله ذرية صالحة .. ما هذا الرجل ؟ لماذا لا يستحى مما يفعل ويقدر تحملى له فى المنزل ورفضى إيداعه دار المسنين وإنفاقى عليه وهو يؤذينى فى زوجتى فى غيابى 
عدت الى عملى وما لبثت الا وقد تلقيت خبر انتظرته كثيرا. فقد حملت زوجتى وصأصبح أبا عن قريب ......ياله من احساس رائع اصبحت اعد معها الأيام انتظارا لولى العهد 
حتى جائنى منها اتصال مباغت وهى تبكى وتنتحب وتقول ان ابى قد ضربها ضربا مبرحا حتى اسقطت حملها دون ذنب سوى انها لم تعد له ما اراد من طعام فى موعده 
صعقت وثارت ثائرتى وفقدت صبرى وعقدت العزم على العودة لتأديبه وطرده دون حتى ان اخبرها بما نويت فعله انتقاما لى ولها ولفلذة كبدنا 
عدت الى مصر وفى قلبى نيران الدنيا واعلم انها مريضة فى منزل اهلها وانه وحده بالمنزل 
دخلت عليه فوجدته نائما فى سريره صرخت فيه ليصحو ويحدثنى فلم يستجب 
هززته بعنف فاستيقظ ولما رآنى ابتسم وأراد احتضانى فابتعدت عنه وظللت فى توجيه السباب له وهو يبتسم فى صمت يستفزنى اكثر حتى وصلت الذروة فأمسكت بعصاه وأردت ان اهوى بها على رأسه لأشجها واستريح منه نهائيا .
هنا فقط ذهبت الابتسامة وظهر على وجهه الرعب وصدر منه صوت مكتوم لا افهمه ...صوت الخرس !!!
ارتجفت يدى وانتبهت القيت العصا وخرجت وفى رأسى الف سؤال لن يجيبنى على اسئلتى هذه سوى يحيى صديقى وجارنا وبالتأكيد لن يحجب عنى معلومة
ذهبت اليه فاستقبلتنى والدته بحرارة مرحبة ووجدته يأتى فى اعقابها مرحبا مستقبلا وقد لوحظ على وجهى أثر الغضب والإجهاد ولم اتكلف وقتا او جهدا فى سرد ما حدث لزوجتى وما رأيته من والدى ورأيت آثار الدهشة والاستنكار تنعكس على الوجوه وتبدلت اللهجات 
ورأيت ام يحيى ولأول مره تحتد فى وجهى وتنطلق منها نافورة من كلمات ما سمعتها منها فى حياتى وياليت هذا السيل قد انطلق من سنوات
قالت : تضرب والدك الأخرس؟ بعد ان فقد النطق والسمع ؟....الا يكفيك ما تفعله به زوجتك امام الجميع ... الا يكفيك اهانته على يدها حتى ضاقت به الدنيا وساءت صحته حتى وصل الى ما وصل اليه وهو صامت مستسلم لأجلك ؟ ومتى امتدت يد والدك لشىء من مالك يا محمود وهو الرجل القنوع الذى رضى بالكفاف طيلة عمره ووالدتك من اجل توفير احتياجاتك ولولا ما يتقاضاه من معاش لما وجد لقمة العيش ولا قرص العلاج 
ومنذ متى رأينا لزوجتك حملا ولا سمعنا به حتى يسقطها هذا الرجل المسكين ؟
هى تقول وانا فى دوااامة لا قرار لها وكأن غشاوات ترفع عن عينى وقلبى لتفتح العديد من التساؤلات والشكوك فى الزوجة المصون بعد ان تيقنت تماما انه بالفعل لم يكن ليسمع سبابى له وما توقعه لذا ظل على ابتسامته حتى رفعت العصا فى وجهه 
يااال شقوتى تركتهم وتوجهت من فورى الى منزل اهل زوجتى لتتم المفاجأة لأجد من كانت تتماوت وتصرخ بالأمس كما الجمل او الحصان بكامل صحتها امامى وقد تفاجأت بى وتغير وجهها وقد تعرى كذبها وظهرت بشاعتها امام عينى 
طلقتها بعد ان علمت بأسباب كذبها وافترائها على المسكين وادعائها الحمل ثم السقط حتى تتخلص منه نهائيا وما كانت تطلبه منى من اموال تصرفها فى شراء مصوغات تؤمن بها مستقبلها من كدى وعرقى دون علمى 
وعدت اجرجر اثواب الحسرة والندامة راكعا امام قدميه باكيا كما الطفل الصغير بكاء لم يصدر منى قبلا حتى عندما توفيت والدتى ودموعا حارقة تنصب على القلب فتغسله
وأجده يتناول كتفى ليحاول جذبى اليه فأرتمى بين احضانه واعلم انه لا يسمع صراخى ونحيبى بأذنه ولكنه يستمع بقلبه وتترقرق عيونه لأجلى انا من لا استحق قطرة واحده تنسكب من عيونه لأجلى 
انا الآن فى الحرم المكى احمل ابى على عنقى رافضا ان اطوف واضعا اياه على كرسى متحرك 
فمكانه فوق رأسى وليتنى استطيع ان ارد له حقه او تمحو الممحاة ما مر من احداث صدرت منى .....وأعلم انه يتمتم داعيا لى فهل يغفر الله ؟
زهرة