حجابي اختياري – بقلم/ إيمان القدوسي

تأثير الفراشة

كانت عودة الحجاب في مصر اختيارية تماما ، وقد بدأت علي يد نخبة من الفتيات في منتصف السبعينات ، في الحقيقة لم تكن العودة فقط اختيارية ولكن أيضا ثورية ، فقد قامت الفتيات في تلك الفترة بما يمكن أن نسميه (ثورة ناعمة) علي الأعراف التي استقرت وقتها ، وبعد انحسار الحجاب تماما واختفاء اسمه ورسمه من مخيلة المصريات بدأت فراشات رقيقات يرفرفن بأجنحتهن الشفيفة ويدرن بزيهن الجديد ويعلن دون صوت (حجابي اختياري) وما لبث أن ظهر (تأثير الفراشة) وزادت أعداد المحجبات يوما بعد يوم.

واجهن وقتها حربا ثقافية وإعلامية وبينما انشغل كثير من المفكرين والمفكرات بشجب الظاهرة وإدانتها واتهامها بكل ما ينفر مثل (أن هؤلاء البنات لابد أنهن معقدات بل فقيرات بل غير جميلات بل عميلات أيضا)

لم تنشغل طليعة المحجبات إلا بشئ واحد كيف يطورن الزي ويجعلنه أكثر ملائمة وكيف يستمتعن ببراءة الإحساس بالطهر والعفاف وهن يجتذبن زميلات جدد كل يوم ، ولأن مشيئة الله وحده هي التي تنفذ فقد دارت الأيام لتبتلع كل الهراء الذي قيل وقتها في التليفزيون والصحافة لمحاربة الحجاب وانتصرت الفراشات وأخذت أجنحتهن ترفرف وتعلو فتلطف أجواء الحياة.

يا لضعفهن القوي كيف انتصرن ؟ ويا لغلظة من حاربوهم كيف انكسرت سطوتهم ؟ سبحان الله.



البداية إيشارب أبيض

ربما لا تتخيل بنات الجيل الحالي كيف كان الحال في مصر وقتها ؟ شخصيا كنت طالبة في مدرسة شبرا الثانوية وسط آلاف البنات ولم تكن فيهن واحدة محجبة هذا فضلا عن جميع المدرسات وناظرة المدرسة العجوز أيضا ، وعندما بدأنا بارتداء (الإيشارب الأبيض) أمرت مديرة المدرسة بخلع الحجاب عن رؤوسنا إجباريا وأن كل من تخالف الزي المدرسي سوف تتعرض للفصل واستدعاء ولي الأمر ولكن لم يمر العام حتي خضعت المدرسة للأمر الواقع وعدلت الزي المدرسي ليتناسب مع من تريد الحجاب ، ياه عمرا كاملا يفصلني عن تلك الذكريات.



لكن أثرا ما يبقي

بعد انتشار الحجاب اليوم في كل الطبقات والأعمار وبعد أن صار هو الأساس وغيره استثناء ، ما زلت أشعر بالاعتزاز والفخر كلما خرجت بحجابي فهو هويتي التي اخترتها وارتحت فيها وصارت جزءا من كياني ، ينتابني أحيانا الاستفزاز عندما أقرأ تحليلا غربيا عن (إجبار النساء في البلاد الإسلامية علي الحجاب) وأتمني أن أحكي لهم كيف عانينا مع أهالينا ومدارسنا ومجتمعنا حتي استعدنا نعمة الحجاب وانتزعنا الاعتراف به، وأوضح لهم أيضا أن الحجاب ليس أبدا (حجاب للعقل) كما يروج البعض ولكن فلسفته الكامنة هي (أن تخرج المرأة للحياة كإنسانة وليس كأنثي)

الحجاب أكثر إنسانية وعملية عند الخروج بدليل أن الرجل أيضا يرتدي ملابس كاملة في مجال عمله رغم عدم فرضية ذلك.



هل أنت مع فرض الحجاب إجباريا (نعم أم لا)

كان هذا استطلاع للرأي علي صفحتي في الفيس بوك وكانت النتيجة أن نسبة كبيرة 75% أجابت (لا) والباقي توزع بين (نعم) وإجابات أخري.

من أمثلة من قال (لا)عمرو غريب الذي كتب معللا رأيه :

كيف أرد علي الفتاة التي تسألني كيف يتقبل الله مني الحجاب وقد أكرهت عليه ؟

كيف أرد علي من يسألونني هل ترضي بإكراه المسلمات في أوروبا وأمريكا علي خلع الحجاب ؟

إذا تركت قومك يختارون طريق الهداية أوجدت شعبا صالحا وإذا أكرهتهم علي الشعائر والمظاهر أوجدت شعبا من المنافقين.

أما الأخت التي رمزت لنفسها (الزهرة الزرقاء) فكانت أشد المتحمسين لفرض الحجاب وكتبت معللة رأيها :

معظم البنات أجبروا علي الحجاب من أهلهم وبعد ذلك ألفوا الحجاب لكن من تركها أهلها تلبس علي هواها هي التي أحدثت أزمة بملابسها الخارجة التي تؤذي الشباب وتؤذي نفسها ويمكن للفتاة أن تصلح نيتها وتجددها لله بعد ذلك عندما تألف الزي وتعتاد عليه.

وقد دار سجال بين الطرفين ومن الغريب أن الفتاة هي التي طالبت بالإجبار بينما انحاز الشباب لحرية المرأة في الاختيار.

بالنسبة لي فسوف أوضح رأيي الذي يقف دائما مع حرية الاختيار مع تحمل مسئولية الفعل.


لا أريد الحجاب إجباريا

أتحرك اجتماعيا في أوساط المحجبات ،أخواتي وعائلتي وصديقاتي وجاراتي يتنوعن بين الخمار والنقاب ، وقد تغيرت تدريجيا بعض التفاصيل الاجتماعية واعتاد الناس علي أوضاع جديدة فصارت هناك (محلات ملابس للمحجبات ـ مصففة شعر للمحجبات ـ فرقة بنات منشدات للعروس ـ قاعة أفراح منفصلة للنساء ـ عربة للنساء في المترو)

وقد انتشر في الفترة الأخيرة كلاما عن فرض الحجاب علي النساء إجباريا ولم أرتاح لذلك لأسباب عديدة ، أهمها الانطباع المنتظر عن التيار الإسلامي فهناك دائما (وسيلتين للضبط الاجتماعي) الأولي الإجبار والفرض ويسميه علم النفس (الضبط بالكراهية) وهو الأسلوب الذي اتبع طويلا في النظام البائد والذي قام علي استخدام الذراع الأمني في الدولة لإرهاب وتخويف وإخضاع الشعب وهو أسلوب مرفوض تماما وفاشل أيضا ،والثاني هو الإقناع وترك الخيار للناس وهو ما يسمي (الضبط بالحب) وهو يقوم علي احترام حرية المواطن وكرامته وعقليته وهذا الأسلوب فقط هو الملائم للعصر الجديد الذي دخلناه بعد الثورة.

هناك سبب آخر هو ما آل إليه حال النساء في الدول التي تفرض الحجاب إجباريا من التملص منه وبغضه وانتهاز فرصة مغادرة البلد لخلعه والتخلص منه.

الإجبار يولد الكره ويحفز التمرد والرفض ويستثير الرغبة في التحدي والمخالفة ، كما أنه سيحبط من ترتديه طواعية ودينا لأنها ستتساوي مع من ترتديه نفاقا.

الحجاب زي شخصي جدا ومن السهل التحايل عليه والتملص منه وهو مما يسئ للنظام كله ويلصق به صفات الاستبداد والقهر وكبت الحرية وقد أصبح لدي الناس حساسية بالغة من كل تلك المعاني.

من الأفضل دائما أن يظل الحجاب قيمة عليا مرغوبا فيها تسأل النساء عن حدوده وتتحري تطبيق شروطه بمحض إرادتها ،وهو ما يجعلها تشعر بالمسئولية تجاهه ولا تحسه قيدا وجبرا.

هناك أيضا سببا خاصا بي وهو ما أشرت إليه في البداية إنه ذلك الشعور بالاعتزاز والفخر بأن حجابي هو اختياري.

مقال جميل جدا ياسعيد
تسلم الايادي ياباشا لي النقل الجميل

شكرا ابوحسام على المرور الجميل بالموضوع ومقالات

الاستاذة ايمان القدوسى دوما ما تكون جميلة جدا