كل جديد ومتميز وحصرى تجدونه هنا فى ومضات السها
كل جديد ومتميز وحصرى تجدونه هنا فى ومضات السها
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


واحـــــة الإبــداع والفــن والتــألق
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
أحلام العصافير  Support

 

 أحلام العصافير

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سعيدالعارف الضبع
المراقب العام للمنتدي



عدد المساهمات : 17528
العمر : 37
الموقع : الرياض

أحلام العصافير  Empty
مُساهمةموضوع: أحلام العصافير    أحلام العصافير  Icon_minitimeالجمعة يونيو 22, 2012 10:52 am

رغَباتُنا وطلباتُنا الدُّنيوية لا تنتهي، فهي كثيرةٌ جدًّا ومتنوعة جدًّا، إضافةً إلى أنَّها ليست ثابتةً، فهي تتغيَّرُ باستمرارٍ بتغيُّرِ الزمان والمكان والحال، فمن الشبابِ مَنْ يتكلَّمُ وهو في عُنفوانِ شبابه على أنَّ الحبَّ هو أسمى شيءٍ في الوجود، وأنَّه حين يتزوَّجُ بمن يُحبُّ، فإنَّ "عش العصفورة" سيكفيهما، وسيكون غذاؤُهما أريجَ الحبِّ، وشرابُهما رحيقَه، وغطاؤُهما وهَجَه.

ولكن حين تضغطُ على ذلك المُدَّعي ظروفُ الحياة، ويخوض مُعتركَها، ويذوق مرَّ أيامِها وليالِيها، ويعيشُ أزماتِها، وتلسعُه دبابيرُ غدرِها، وتعلِّمُه تجارِبُها، وحين يشتعل ذلك الرأسُ المليءُ بالمِثاليَّاتِ والعناد شيبًا، ويتحوَّل القلبُ المتعَبُ إلى النبضِ المتسارعِ مع أيِّ جهد، ومهما كان نوعُه - تتبعثر عند ذلك المنعطفِ تلك الأمنياتُ الرقيقةُ، وتتبخَّرُ الأحلامُ الورديَّةُ، وسيعرف الفرقَ بين التنظير والتدبير، فعُشُّ العُصفورة يُصبِحُ كلامًا فارغًا وغيرَ منطقِيٍّ، ولا معنَى له، وهل من المعقول أنْ يعيشَ إنسانٌ عاقلٌ في عُشِّ عُصفورٍ، إنَّها أحلامُ العصافير بالفعل، يقول ابن حُميدس:
عَلِمْتُ بِتَجْرِيبِي أُمُورًا جَهِلْتُهَا
وَقَدْ تُجْهَلُ الأَشْيَاءُ قَبْلَ التَّجَارِبِ
وَمَنْ ظَنَّ أَمْوَاهَ الْخَضَارِمِ عَذْبَةً
قَضَى بِخَلاَفِ الظَّنِّ عِنْدَ الْمَشَارِبِ

المشكلة في هذا المقام؛ هي أنَّنا لا ندري ماذا نريد بالضبط؟ وهل من حدودٍ أو سقفٍ معروفٍ لأمانينا ومطالبنا؟

حكى لي أحدُ الأصدقاء قصَّتَه، والذي حكاه لي صديقي أمرٌ نَمُرُّ به جميعًا، فهو يقول: كنتُ فقيرًا، وكنت أحلم أن يصبح عندي مالٌ، كانت أُمنياتُه محدودة جدًّا، ربما تمنَّى أن يصبح عنده 100 دولار لا غير، كانت غاية طموحِه أن يكونَ عنده رأسُ مالٍ وإن كان صغيرًا، من أجل استثمارِه في مشروع العمر.

يقول الرجل: أصبح عندي ورقةٌ من فئة الـ 100 دولار، فكنت أُمسِكُ بها، وأقلِّبُها كلَّ هُنَيْهة من الوقت، فتمنَّيتُ أن تتضاعف، وتضاعفت، ثم تضاعفت، فصرتُ أجمعُها وأستبدلُها بورقاتٍ بطبعاتٍ جديدة لأكتَنِزَها، يقول: ثم ازداد طموحي ليكون عندي عشَرةُ آلافِ دولار، لأشتري سيارة، وأدَّخر الباقي.

وتحقَّقت تلك الأمنية بسرعةٍ لافتةٍ، وأصبح عنده المبلغ، وما أن أصبح معه المبلغُ الذي كان يَبغيه بين يديه، حتى زادت الطموحات مباشرةً، فأصبح يطمح أنْ يكونَ له بيتٌ وسيارة.

وهكذا، فإنَّ الأمنيات والرغبات تتجدَّدُ ولا تنتهي، فكلَّما طرأ طارئ في حياتِنا، طرَأت معه كظِلِّه طلباتٌ وأمنيات جديدة، وما أن تتحقَّق الأمنيات القديمة، حتى نراها تافهةً لا قيمةَ لها، ونطمحُ، بل نطمع في المزيد والجديد؛ فعن ابن عباسٍ - رضي الله عنهما - قال: سَمِعت النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((لو كان لابن آدمَ واديان من مالٍ، لابتغى ثالثًا، ولا يملأُ جوف ابن آدمَ إلا الترابُ، ويتوبُ الله على مَن تاب))[1].

كنت شابًّا أسمعُ كما يسمع غيري كلامًا كثيرًا عن شاغل الناس "الحب"، حتى صار عندي تصوُّرٌ أنَّ الحبَّ هو وقودُ الحياة، بل ظننتُ يومًا أنَّ الحياةَ هي الحبُّ، وليس شيئًا آخَر، وكنتُ - وما زلتُ إلى اليوم - أسمعُ من بعضِ أنصاف المثقَّفين أو المغرورين، أو المخدوعين وغيرِهم وهم يتداولون من غير وعي - سؤالاً هو: كيف يمكن للإنسان أن يعيش من غير حُبٍّ؟

وهم لا يقصدون بهذا السؤال حبَّ الأمِّ لولدِها، ولا حبَّ الأختِ لأخيها، ولا حبَّ الصديقِ لصديقِه، ولَم ألْبث كثيرًا حتى حدثت خلال تلك الفترةِ من حياتي حادثةٌ غيَّرت عندي الكثيرَ من القَناعات والمفاهيم في هذا المجالِ، لقد استأجر البيتَ الصَّغيرَ الذي بجوارِنا والذي تُطِلُّ نافذةُ غرفتي على حديقتِه - شابٌّ جميلٌ، كان أنيقًا، ويبدو مثقَّفًا وواعيًا، وكانت زوجتُه الشابةُ التي تزوَّجَها حديثًا تزورُ أمِّي، وتكلِّمُها عن أنها تزوَّجتْ هذا الشابَّ بعد قصةِ حبٍّ أُسطوريّة كما ادَّعتْ، لقد أحبَّها حبًّا فاق الخيالَ، وحارب الدُّنيا كلَّها من أجْله، ومن أجْل الظَّفَر بها.

كانت العلاقةُ بينهما كعُصفورين جميلين لطيفين، وصارا حديثَ الناسِ، ولَم يَمضِ الكثيرُ من الوقت حتى رأيتُ وأنا أنظرُ من شباكِ غُرفتي منظرًا مريبًا، جعلني أُغلِقُ النافذةَ من شدَّته، ثم ما أن ذهب رَوْعي، حتى عاودتُ النَّظَرَ؛ لأنِّي ربما كنتُ أحلمُ.

رأيتُ ذلك الشاب قد طرَح زوجتَه في حديقة منزلهم وهي شبهُ مغمًى عليها، ويضربُها ضربًا بطريقة غريبة، ربما كضرب أزلامِ الطُّغاة حين يضربون معارضيهم، ثم يتركُها قليلاً، ويعاود الضربَ المبرِّحَ بالرَّكلِ ساعةً، وبيدِه ساعة أخرى.

انتابني شعورٌ أنَّ المرأةَ ربما ستموت بين يديه، أو أنَّها ماتت بالفعل، فهي لا تُبدِي أيَّ ردِّ فعلٍ، إنَّها لا تصرخُ ولا تستنجد، هرولْتُ إلى أمِّي، فذهبتْ أمِّي وأنقذتْها منه، ويبدو أنَّها كانت مشكلةً اعتيادية كتلك التي تحصل في بيوتنا جميعًا، ولكنَّ ردَّ فعلِه كان لا يتناسب مع حجم المشكلة، وما أن انتهت القصةُ، حتى تقافَز إلى عقلي الكثير من الأسئلةِ، لعلَّ أهمها:
هل كان هذا الرَّجُل يحبُّ زوجتَه بالفعل؟ أم أنَّها كانت نزوةً ثائرةً، ورغبةً عابرةً لا أكثر؟

مرَّت الأيامُ - وربما الأشهر - ونسمعُ بين الفَيْنة والفينة ببيت العصافير جلبةً، مشاكلُ بدأت صغيرةً ثم صارَت ليس لها حدودٌ، ثم أصابت عدوى المشاكل الجيرانَ، وتطوَّرت الأمورُ، وأصبحوا في حالٍ يُرْثَى لها، حتى صار الناس من حولِهم يطلبون منهم مغادرةَ المكان، ثم رحلوا من جوارِنا إلى مكانٍ لا نعرفُه، ولا أدري ماذا حصل لهم بعدها؟

هذه العلاقاتُ المزيَّفة التي تُبنى على أمنياتٍ دنيويةٍ صغيرة، تنتهي في الغالب بهذه الطريقة المأساويَّة ومثيلاتِها؛ لأنَّ الدنيا هي هَمُّ أصحابِها؛ فعن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال سمعت نبيَّكم - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((مَن جعلَ الهمومَ همًّا واحدًا - همَّ المَعادِ - كفاه اللهُ همَّ دنياه، ومَن تشعَّبت به الهمومُ في أحوال الدنيا، لَمْ يبالِ الله في أيِّ أوْديته هلَك))[2].

الكثيرُ من الناس لا تنتهي رغَباتُه عند حدود نفسه فحسبُ، بل تتعداها إلى آخرين؛ كأولاده وبناته، وربما أولادهم، فهو يريدُ أن يضمنَ لهم مستقبلَهم، ويتركَ لهم الثروةَ المناسبةَ؛ لتؤهِّلَهم لأن يكونوا مع الأثرياء، وقد يضطرُّ خلال تحقيقِ هذا الهدف لأَن يسرقَ، أو أن يتَّبِعَ الوسائلَ غيرَ الشرعيةِ، وغير الأخلاقية؛ كالغشِّ والخداع والتَّدليسِ، وهذا التصرُّفُ ناجمٌ عن اعتقادٍ خاطئ، فالأبُ مسؤولٌ أمام اللهِ تعالى عن تربيةِ أبنائِه التربيةَ المناسبةَ، وأنْ يعلِّمَهم القرآنَ الكريمَ، ويعلِّمَهم أمورَ دينهم، ثم يوفِّرَ لهم ما يجعلُهم يعيشون حياةً كريمةً حتى يبلغوا، ثم هو غير مسؤولٍ عن شيء بعد ذلك.

والبعضُ منَّا يحب أن يلبِّي كلَّ ما تطلبُه نفسُه، ويُبرر ذلك تبريرًا غريبًا، فهو يدَّعي أن نفسَه أمانةٌ عنده، فعليه ألا يحرِمَها من شيءٍ، فلا يردَّها عن أيِّ طلبٍ، وإن كان ضارًّا بصحَّته، أو جَيْبه، وأحيانًا وتحت هذا الفهم، يلبِّي لها طلبَها، ولو لمرَّةٍ واحدةٍ في العمر، ويستمرُّ على هذه الحال طوالَ عمره، ومثلُ هذا حين يكونُ في ساعات الموتِ، يسألونَه عمَّا يشتهي، تراه يطلُب أكلاً أو شرابًا أو سيجارةً؛ لأنَّ ذلك كان دَيدنه في الدنيا.

في حين أنَّ مَن درَّبَ نفسَه على الطاعة وحبِّ الله تعالى وطاعته والتزام أوامره، والابتعادِ عن نواهيه، فحين يكونُ في ساعات الموتِ وسكَراته، يطلبُ أشياءَ ساميةً عظيمةً، مثلُ ذلك الرَّجُل الصالح وهو يموت، يقولون له: ما تشتهي؟ فيُجيبهم: أشتهي رحمةَ ربِّي، فيا لَها من رغبةٍ عظيمةٍ ونافعة.

العُصفور يحلم على قدرِ حاله، فهو مخلوقٌ مسكينٌ، صغيرٌ وفقيرٌ، ليس له حتى أدوات للدفاع عن نفسه أمام الأخطار الفتَّاكة التي تحيطُ به، ولعلَّ أولَ الأخطار المُحدقة به، أولادُ الحارة الصِّغار، وهم يحملون بأيديهم أداةً من المطاطِ والخشب، يضع الصِّغارُ فيها حصاةً يرمونه بها، فلا يكادُ عُصفورٌ يُفلِتُ بريشِه منهم، وليس له غيرُ المناورة بأجنحتِه الصغيرةِ؛ ليطير بعيدًا عنهم، ثم لا يلبثُ أن يعودَ ليجدَهم في انتظارِه، وما يُؤلِمُني اليوم أنَّني كنتُ واحدًا منهم يومًا ما.

والإنسان مخلوقٌ قد سخَّرَ الله تعالى له العُصفورَ وغيره، ووضعَه خالقُه تعالى في مرتبةٍ عاليةٍ، فهو في أعلى سُلَّمِ المخلوقاتِ الأرضية، فمن المخجلِ والمعيب أنْ ينزلَ مَن كلَّفه اللهُ تعالى بمهمَّةٍ راقيةٍ وعظيمةٍ - وهي الاستخلافُ - في الأرض؛ ليفكِّرَ ثم ليتصرَّفَ كعُصفورٍ، ولا ينبغي له ذلك، بل نذهبُ إلى ما هو أبعدُ من ذلك، فحين يحاول الآخرونَ أنْ يجعلونا بهذا المقام، فينبغي ألا نقبلَ، ونرفض ذلك رفضًا قاطعًا، بل وننتفض ونقاتل من أجلِ ألا نكونَ إلا بالمكانةِ والقيمةِ التي اختارها لنا الله تعالى.

هناك الكثيرُ من الأمنياتِ الكبيرة والأحلامِ العظيمةِ، التي ينبغي أن تَشغَلنا عن كلِّ أمرٍ تافهٍ صغيرٍ لا قيمةَ له، فنحن ينبغي ألاَّ نحلمَ بأنَّنا سنجدُ مكانًا آمنًا فيه حبيباتٌ من القمح كما يفعل العصفور، ثم بعد أن يَلتهمَها بمنقارِه الصغير، يبحثُ عن بقعةِ ماء صغيرةٍ بقدْر كفِّ اليد، ليمرِّغَ نفسَه فيها تحت أشعَّة الشمس، بعد أن امْتلأت حَوْصَلَتُه، فينتشي فرحًا، فهذا مَن يصفُ نفسَه كالعُصفور حين شغلتْه الفتاةُ التي أحبَّها، فصارت شغلَه الشاغل، وعُرف بأنه "مجنون ليلى"[3]، فهو يقول:
وَيَهْتَزُّ مِن تَحتِ الثِّيَابِ قَوَامُهَا
كَمَا اهْتَزَّ غُصْنُ البَانِ وَالْفَنَنُ النَّضْرُ
فَيَا حَبَّذَا الأَحياءُ مَا دُمْتِ فِيهِمُ
وَيَا حَبَّذَا الأَمواتُ إِنْ ضَمَّكِ القَبْرُ
وَإِنِّي لَتَعْرُونِي لِذِكْرَاكِ نَفْضَةٌ
كَمَا انْتَفَضَ العُصْفُورُ بَلَّلَهُ القَطْرُ

لتكنْ آمالُنا كبارًا، وأمنياتُنا لا يحدُّها أفُقٌ، وطموحاتُنا طموحات العظماء، فثمة فَرقٌ كبيرٌ وشاسعٌ بين مقالة "مجنون ليلى"، وبين قول النابغة الجعدي، حين يقولُ:
أَتَيْتُ رَسُولَ الله إِذْ جَاءَ بِالْهُدَى
وَيَتْلُو كِتَابًا كَالْمَجَرَّةِ نَيِّرَا
وَتُنْكَرُ يَوْمَ الرَّوْعِ أَلْوَانُ خَيْلِنَا
مِنَ الطَّعْنِ حَتَّى تَحْسَبَ الْجَوْنَ أَشْقَرَا
وَنَحْنُ أُنَاسٌ لاَ نُعَوِّدُ خَيْلَنَا
إِذَا مَا الْتَقَيْنَا أَنْ تَحِيدَ وَتَنْفِرَا
بَلَغْنَا السَّمَا مَجْدًا وَجُودًا وَسُؤْدَدًا
وَإِنَّا لَنَرْجُو فَوْقَ ذَلِكَ مَظْهَرَا

[1]صحيح البخاري - كتاب الرقاق - باب ما يتقى من فتنة المال.
[2]سنن ابن ماجه - كتاب الزهد - باب الهم بالدنيا.
[3] هو قيس بن الملوَّح العامري، شاعرٌ متيَّمٌ من أهل نجد، تعلَّق بليلى بنت سعد، وأحبَّها إلى مرحلة الجنون، وسمِّي كذلك، ولَم يوافِق أبوها على زواجها منه، فهام في الأرض يقول الأشعار، فتارةً يكون في الشام، وأخرى في الحجازِ، وأخرى في نجد، وبقِيَ على هذا الحال حتى وُجِدَ ميتًا بين الأحجار، نسأل الله العافية.

منقوووووووول
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
أحلام العصافير
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» علمتني العصافير
» أحلام بعيدة
» أحلام مع إيقاف التنفيذ

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: المـــنــتـــدى الـــعـــــــام :: الموضوعات العامة-
انتقل الى: