ربما لا أحد نظر إلى الأزهر الشريف باعتباره المؤسسة التي تجسد انتصار الهوية
السيكولوجية للمصريين، وأعني الوسطية باعتبارها كذلك. المصري مسلما كان أو مسيحيا،
بحكم تاريخه الحضاري الموغل في التاريخ، إنسان غير متطرف، أو لنقل كيان اجتماعي
وسطي، لا يتطرف لا ثقافيا ولا دينيا ولا سياسيا.
وإذا كان الأزهر الشريف بدأ
شيعيا فاطميا، فإن السيكولوجية المصرية ظلت تناضل حتى وضعته على صراطها الوسطي
القويم سنيا أشعريا. وعندما هبت رياح التطرف الحديثة مع الوهابية السعودية وما
تلاها مما تولد عنها، سواء كحركة يزعمونها إصلاحية أو كفكرة يزعمونها استرجاعية
للقرون الراشدة، ظل الأزهر الشريف بما يخرّج من علماء في مصر والعالم الإسلامي
وبخطاب الاعتدال والتوسط الذي يتبناه مؤسسة المقاومة الدينية لكل هذه التيارات تعلو
حجته البالغة كل حجج القوم، ولا تعلو على حجته البالغة حجج آخرين على كثرة أبواقها
وارتفاع صوت ناعقيها.
وكلما علت حجة الأزهر الشريف ضد المتطرفين اختلط حقدهم
عليه بالدم والعظم، فلا تكاد عين مبصر تخطؤه في سيماهم وفي اللحن من القول. ولأن
هؤلاء الحقد على الأزهر فيس أغلبهم منافقون فلا يتورعون في الوصول إلى أهدافهم
وغاياتهم منها من التوسل بما يرفضون في مبادئ خطابهم، فقد انتقلوا، بعد الثورة، من
مبدأ الشورى وجماعة أهل الحل والعقد إلى صناديق الانتخابات المستوردة من أنظمة
الغرب الكافر عندهم، ليصلوا بالرشا وتزييف الوعي وتكفير منافسيهم إلى أغلب مقاعد
التشريعي، وأكثر من هذا ليصل، بالوسائل القذرة نفسها، أحدهم إلى سدّة الرئاسة،
وتجمعه المناسبة بشيخ الأزهر الشريف فلا يمد يده ليصافحه، وقد كان أحد أدعيائهم من
قبل دعا لتدويل مشيخة الأزهر فلا تحصرها الجنسية المصرية. ودعا أحد حمقاهم – وهم
كثر – من قبل إلى انتخاب شيخ الأزهر من جميع مسلمي مصر لا من علمائهم فحسب،
ليمارسوا وسائلهم نفسها في فرض من يلائم خطاب انحرافاتهم الفكرية ومبررات سلوكهم
الإجرامي لمشيخة الأزهر. واقترح بعض سفهائهم تشريعا لا يجعل الأزهر الشريف المرجعية
الدينية الوحيدة.
حتى وصل الأمر بالسيد الرئيس ألا يمد يده ليصافح شيخ
الأزهر في لقاء رسمي، وما ضره، أو ضرنا، ألا تصافحه أيها السيد الرئيس، إنما نستشرف
آيات الحقد فيما أتيت، ليس الحقد على الأزهر ومشيخته، بل على الدين الوسطي الذي
أراده الله لنا، في حين تريدون لنا دينا من صنع عقولكم وعلى مقاس أهدافكم وغاياتكم
من وراء هذه الأهداف، وتعلم وتعلم جماعتك – جماعة "طز في مصر" – أن بينكم وبيننا
تاريخ من العلم وسلاسل من العلماء خرجوا من هذه المؤسسة يضيئون للعالم معالم دينهم
كما أراده الله عز وجل، وبلغه عنه نبيه صلوات الله وسلامه عليه، وأدى أمانات البلاغ
عن نبيه ورثته من العلماء الربانيين من علماء الأزهر الشريف.
أيها السيد
الرئيس، أتى من قبلك رؤساء بطريقة أو بأخرى وذهبوا، وأتيت وتذهب، ويبقى الأزهر
الشريف، ويبقى علماؤه ربانيين بما كانوا يعلمون الكتاب وبما كانوا يدرسون. وحسبك أن
يعلن تصرفك أنك لا توقر ورثة الأنبياء من علماء الأمة. وإذ لم توقر ورثة الأنبياء،
فهل نحسن بك الظن فنقول أنك توقر الأنبياء !! ربك أعلم بك وبجماعتك وبما أتيت من
كبيرة في حق علماء الأمة لن نغفرها لك ولن يغفرها لك التاريخ.
مشاهدة
المزيد
الثلاثاء يوليو 10, 2012 11:41 pm
