حوار حول الجنة للدكتور صلاح عبد الله

ذات ليلة جمعتني سهرة بأحد أصدقائي من المشاهير. وأثناء السهرة أسلمته المطارحة إلى
المصارحة. فسألني دهشة: ألا تعجب لشأن الجنة وأهلها؟ خمر. ونساء. وطعام. وراحة.
وفراغ لا حدود له.ألا يملون؟ وأية حياة تلك التي ليس فيها غد. ومع الغد الترقب. ومع
الترقب الأمل. ومع الأمل يكون مذاق الحياة.
فقلت له: أرأيت إن سألتك عن شيء
أتجيبني؟ قال: نعم. فقلت أتذكر يوم كنت تكلمني في التليفون ثم أقبل ابنك فقبلته
وكان في فمه قطعة من الشكولاتة فأكلتها من فمه ملطخة بلعابه وأنت تضحك؟ قال نعم.
فقلت أرأيت لو كان طفل آخر أكنت فاعلا به ما فعلته بابنك؟ قال لا. قلت فقلت أرأيت
إن أصابت ابنك مصيبة الموت لا قدر الله هل يشعر به أحد غيرك وغير أسرتك؟ قال لا.
قلت أرأيت لو بدلوك بابنك هذا طفلا آخر وأنت لا تدري. ألم تكن تبثه نفس عواطف
الأبوة؟ قال نعم. قلت فإن ابنك هذا لا يساوي شيء على الصعيد الكوني. ومع هذا أبدلك
بنفسك التي بين جنبيك نفسا أخرى تقبل ما كانت ترفضه بالأمس. فإذا كان طفل لا يشعر
به الكون قد أبدلك بنفسك نفسا أخرى فلم تنكر على الانقلاب الكوني الأعظم أن يبدلك
بنفسك ن...فسا
أخرى؟ نفسا تأنف مما كان تشتهيه من قبل؟ وتشتهي ما لم يكن يخطر لها ببال. لماذا لا
تعتقد أن الله الذي خلق نفوسا تمل قادر على أن يخلق نفوسا لا تمل؟ بل لماذا لا تثق
بأن الله قادر على أن يهب أهل الجنة جديدا كل يوم. بل كل لحظة بحيث لا يشعرون
بملل.
أما أهل النار فلا بد أن يملوا لأن هذا الملل هو عذاب داخلي يقابل العذاب
الخارجي الذي يذوقونه.
أما الغد. والتطلع. والترقب. والأمل وما إليها. فإنما هي
من نتائج النقص الإنساني. فأنت تتطعل لأنك تحتاج. وتحتاج لأنك تجهل. فنقص العلم
والقدرة هما الباعثان على ما ترى من تطلعات الناس وآمالهم.
وإنما جملها في
أعيننا اعتيادنا عليها. ولأننا لم نعرف غيرها. إن المشكلة الحقيقية أننا من حيث
نشعر أو لا نشعر نقيس الألوهية على الإنسانية. والآخرة على الدنيا. والمجهول على
المعلوم. فنستنتج نتائج هي أقرب ما تكون إلى واقعنا الذي نعيشه أبعد ما تكون عن
الحقيقة.
فأطرق حينا ثم قال: لعلك محق. دعني أفكر فيها مرة أخرى

» زجليات ممتازة للشاعر للدكتور/ صلاح عبدالله
» البحر طحينه مع صلاح عبد الله
» مجموعة كتب للدكتور ابراهيم الفقى رحمه الله
» لمحة رمضانية بقلم الشاعر صلاح عبد الله
» تفسير قوله تعالى " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة "