المرايا \ بقلمى

قالوا لى اننى ان توجهت صوب الصحراء الشرقية يوما سأجد فيها عجبا عجابا فهى منبع كل غريب وفريد
حزمت امتعتى وعقدت العزم على المسير وحدى لعلى اصل الى احدى كنوزها الفريدة فاستعيد هويتى فى مجتمع طمست فيه ذاتى ولم ارى فيه لنفسى قدرا
انهكنى المسير واظلمت الدنيا من حولى يا ليتنى اصطحبت معى رفيقا يؤنس وحدتى ويزيل وحشتى
معى الزاد والزواد ولكن بالقلب افتقار وخوف
وسمعت حفيفا على الرمال فتوقف قلبى خشية ان تكون احدى الحيات تتبعنى ولم اجد حتى الجرأة للإلتفات ورائى
ولكن خوفى لم يدم طويلا فقد امتدت يد لتتناول كتفى لألتفت وقد شل لسانى عن الكلام من الفزع
ووجدت رجلا استبنت ملامحه على ضوء القمر فاطمئن قلبى فقد يكون احد حكماء الصحراء الذين حدثونى عنهم
بادرنى بالسؤال عن بغيتى فى وسط هذا الظلام الدامس فى صحراء قاحلة ...فرددت بلا تردد واوردت سبب تواجدى
فتبسم الرجل قائلا : مادمت طلبت فمن اللؤم ان يرد طلبك عجوز مثلى ولكن عليك فقط ان تطلب شيئا واحدا لا يحق لك ان تطمع فيما سواه لذا وجب عليك التريث قبل الطلب
وغرقت فى صمت طويل افكر وافكر
واذا بى ابادره قائلا : قد عرفت بغيتى ومرادى الآن
اريد ان اتحول الى مرآة... مرآة تتنقل فى ايدى كل الناس ما ان ينظر فيها المرء حتى تطلعه على قبح ذاته فيرى قدر نفسه ويكف عن التعالى بين الخلق ويتزين برداء الذل والانكسار
تيسم الحكيم ولم يعجب لهذا الطلب الغريب ولكنه قال سأحقق لك ما تريد ولكن لى شرطان
اولهما : ان التحول سيمتد لسبع ليال ثم تعود فيها الى طبيعتك التى خلقك الله عليها
ثانيهما : ان ما يسرى على الناس لابد وان يسرى عليك فى النهاية وان ترى ذاتك فى نفس المرآة
وافقت على الفور فأنا اعلم ان المرآة لن تعكس لى من شخصى الا كل ما هو جميل
ومضيت كمرآة ما تركت بيتا فى بلدتى الا ودخلته ثم خرجت على صرخة صاحبه حينما يرى ذاته فى المرآة
وما تركت على ظهرها رجلا ولا امرأة الا وقد شاهدوا القبح والسواد حتى اصبحت مدينتى تغرق فى حزن وسواد لا يزول واعتكف الناس كل فى بيته خشية ان يراهم الاخرون بهذا القبح فيلاحقهم العار
وفرحت انا كثيرا بهذا الانجاز فقد جعلتهم ينكشفون ويخجلون فلن اسمع صوت احدهم بعد اليوم وسأنصب نفسى ملكا عليهم ولن يجرؤ احدهم على معارضتى
ومضت المدة لأجد الحكيم امامى يذكرنى بانقضاء العهد
وتنفيذ آخر شرط فطاوعته والثقة والخيلاء يحيطون بى
ونظرت فى المرآة فصرخت فزعا فقد رأيتنى شيطانا بشعا لا يطاق وحاولت ان افلت من تلك النظرة اللعينة واغمض عينى ولكن المرآة لا تتأثر بأغلاق العيون فهى تعكس لى الصورة مطبوعة داخل ذاتى واستغثت بالحكيم ان يخلصنى منها فضحك قائلا : جنيت على نفسك وعلى غيرك
لو كنت طلبت مرآة الحسن والجمال لسعدت وسعد الناس معك ولكنك نصبت نفسك حكما عليهم ونظرت الى القذاة فى اعينهم وهى متربعة فى ام عينك يا مسكين
وتركنى لمآساتى وتلاشى فى الهواء فلم يعد له اثر
زهرة