عقدة الأم (إيمان القدوسى)

مهما كانت النفوس صافية إلا أن الإنسان لا يحب أحدا أكثر من نفسه ، والاستثناء الوحيد هو الأم ، فهي تحب ابنتها وتتمني لها الخير وتبتهل إلي الله أن يكون نصيبها في الدنيا أفضل من أمها ، ولذلك فهي حريصة علي أن تجنبها الأخطاء التي وقعت فيها هي و توفر لها سبل السعادة التي حرمت منها.

ولكن البعض يبالغ والمبالغة في الحب من أسباب التعاسة مثل الحرمان منه تماما ، تسيطر علي الأم عقدتها وتسقطها علي حياة ابنتها فتتسبب في تعاستها وهي لا تريد لها سوي السعادة ، ولذلك يشكو الأزواج من تسلط الحموات وتدخلهن المخرب في حياة بناتهن.

والدة (الدكتورة فاطمة) لم تكمل تعليمها وتزوجت مبكرا جدا وكافحت في حياتها حتى صار لديها بيت كبير وأسرة مترامية بنين وبنات ، ولكنها عاشت تعاني من عقدتها فكلما قابلت من كانت زميلة لها وأصبحت طبيبة شهيرة أو موظفة مرموقة شعرت بالحسرة ، وأخيرا جاءت فرصتها مع فاطمة المتفوقة آخر العنقود والتي عينت معيدة بكلية العلوم وأصبحت تحاصرها حتى لا توافق علي عروض الزواج التي تنهال عليها لجمالها وأدبها ، فهي تفعل المستحيل لكي تطفش العرسان ليتركوا ابنتها في حالها حتى تحصل علي الماجيستير والدكتوراه وتصبح أستاذة جامعية يشار لها بالبنان ، وقد حرصت علي إطلاق لقب (الدكتورة) عليها لتذكرها بحلمها أو في الحقيقة حلم أمها ، يصيبها الفزع والكدر عندما يتحدث أحد عن زواج البنت وتقول (لسه بدري ، ماذا أخذت من تزوجت مبكرا ؟) ، تتأمل ابنتها وهي نائمة وتتمني أن تتخلى عن ضعفها الأنثوي وتتفرغ لتحقيق حلم العمر.

(أم هاجر) مشكلتها مختلفة ، تفرغت لزوجها وبيتها بعد إنهاء دراستها وأخلصت لحياتها الزوجية لأقصى درجة وتعلقت بزوجها تعلقا كبيرا ، كانت تعتبر حياتها سعيدة ومثالية حتى فوجئت بزواج زوجها بأخرى ، اهتزت ثوابتها وصارت ترى الدنيا من زاوية مشكلتها الخاصة ، واتضح ذلك حين تقدم لابنتها عريس ، فقد ظلت تملي شروطها وتضع احتياطاتها لكي تضمن ألا تواجه ابنتها يوما نفس المصير مما أدي لفشل المشروع في مهده.

أما (والدة صفاء) فهي حالة متكررة ، عانت في حياتها الزوجية من الفقر وقلة الرزق ، ولذلك كان شرطها الأساسي والوحيد بالنسبة لصفاء العريس الغني ، وعندما فاضلت بين اثنين أحدهما مناسب تماما للبنت وهي ترغبه والآخر لا ميزة فيه سوى أن حالته المادية أفضل ، أصرت الأم علي الثاني وأجبرت ابنتها عليه والمفارقة أنه لم تمض سوي سنوات قلائل حتى صار الفتى الأول ميسور الحال ومحاميا شهيرا بينما انتكست أحوال الزوج ولم يبق لصفاء منه إلا سوء خلقه وشراسته والأطفال الذين أنجبتهم منه.

عندما نعمم تجربتنا الخاصة ونعتبرها مقياسا للحياة نصبح كمن يرى الدنيا من ثقب الإبرة ، ويتحول حبنا قيدا خانقا لمن نحب ، ويصبح خيارهم الصعب إما إرضائنا والتضحية بالمستقبل أو مخالفتنا وكسر قلوبنا ، ونحن الذين نضيق أمامهم الخيارات ، كما أنه من الظلم البين أن تبدأ ابنتك وهي في ربيع العمر بأفكارك وأنت في الخريف.

عزيزتي الأم تجربتك تجربة خاصة بك لا تعمميها علي غيرك ، كما أنك بالتأكيد تحسبينها حسبة مجحفة فأنت تغفلين كل نعم الله عليك ولا تتذكرين سوى الجانب المظلم في حياتك ، رغم أن الحياة لا تصفو تماما لأحد
كما قال الشاعر
إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى ….. ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه ؟

من ناحية أخرى هل يمكن ضبط السلوك الإنساني ؟
هذا هو المستحيل بعينه ولم يسم القلب قلبا إلا لأنه يتقلب ، فلو فرضنا أنك حصلت لابنتك علي زوج مطابق للمواصفات القياسية التي وضعتها فكيف تضمنين أنه لن يتغير ؟ وإذا لم يتغير هو من يضمن لك أن ظروفه لن تتبدل ؟
والأهم من كل ذلك من قال لك إن أولويات ابنتك وتفضيلاتها واحتياجاتها وشخصيتها مطابقة لك ؟ ومن أدراك أن كل ذلك لن يتغير في المستقبل ؟

من حكمة وعبقرية الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أوصانا بألا نعامل أولادنا بما نعرفه في زماننا لأنهم خلقوا لزمن آخر ، للمستقبل ، فلندع لهم حرية الاختيار ونشاركهم فيه ولكن بتجرد عن طريق التخلص الكامل من عقد الماضي وتجاربه الأليمة

الكاتبة ايمان القدوسى لها اسلوب جميل وتطرح الموضوعات بطريقة تجبرك

على قرائتها والتمعن فيها وهى ضربت عدة امثلة لامهات يتحكمن فى بناتهن

وكل واحدة لها اسباب مختلفة ولكنهم يتفقون فى الهدف وهو ان تبقى ابنتها

الى جوارها طول العمر وهذه ظاهرة ليست غريبة فالام تحتاج دوما الى وجود

بنتها بجوارها وتريدها افضل منها ولكن هذا الحب الزائد عن حده من الممكن

ان ينقلب لضده فتحول حياة ابنتها الى حياة تعيسة وهى تظن انها بذلك تحقق

لها الخير ولوعرفت هذه الام ان تجربتها الشخصية ليست معممة وانها حالة

استسنائية لا راحت واستراحت ولكن هيهات ان تدرك ذلك فهو حب اعمى

لا يعرف سوى ما يريد معرفته ولا يريد ان يدخل فى اى نقاش فيه فهو

عندها قناعة مسلمة لا نقاش فيها .شكرا ام شروق على الانتقاء المتميز

عملية الاسقاط من الام على ابنائها موجودة بكثرة فعلا

ولا حل لها سوى مقاومة الابناء لهذه الافكار مع حفظ الوداد لأمهاتهم

والاستقلال بالذات لتقدير مسار الامور التى تتناسب معهم

والكاتبة ايمان القدوسى كاتبة جليلة انا ايضا احب كتاباتها يا سعيد

شكرا لك

» ممكن تغششنى ؟ ـ إيمان القدوسى
» محور الأنوثة ـ إيمان القدوسى
» الوجه الحسن ـ إيمان القدوسى
» هل يمكنك المشى حافيا //إيمان القدوسى
» مؤتمر صحفي عقدة شيخ الأزهر بساحة الطيب بالأقصر .......