رداخ فى حياتى /أيمن الجندى

كثيرةٌ هى أمنيات الإنسان! ألّا يسرطنوك بالمبيدات، ألّا يضربوك فى القسم، ألّا يفصلوك من العمل. ألا تحترق فى قطار، ألّا تجد نفسك فجأة داخل «بئر مجارى» لأنهم أهملوا إغلاق الفتحة فى شارع مظلم. أما أنا فمنتهى أحلامى أن أعثر على (ردّاخ) جيد.
(الردّاخ) باختصار هو أروع شىء فى العالم. لطيف وجميل! صغير ولامع، أنيق كزهرة بيضاء فى سترة عاشق رومانسي! المشكلة أن اسمه – للأسف - ليس رومانسياً بالمرة! لا أدرى من اختار له ذلك الاسم الفظ: (رداخ)!!
و(الردّاخ) – لمن لا يعلم – هو أحد مكونات السيفون (ولا مؤاخذة)، ولم أكن أعلم أن له هذا الشأن الكبير حتى كان هذا اليوم الذى لاحظت فيه تسرب الماء بكثرة، ولما كان عندى حساسية خاصة تجاه إهدار الماء، باعتباره منحة رب السماء. ولما كنت منحدراً من أصلاب أجداد يعتبرون تلويث النيل ماسّاً بالشرف وجالبا للنقمة، ومن أتباع دين يأمر نبيه - صلى الله عليه وسلم – بالاقتصاد فى الماء، ولو على حافة نهر، ونتيجة لكل هذه الأسباب مجتمعة فقد اهتز سلامى النفسى - بشدة - بسبب هذا الإهدار لجالونات عديدة من الماء.
وهكذا لم أجد بداً من استدعاء السباك، وهو بالمناسبة نصاب لا ينقصه سوى ارتداء قميص السجن المخطط ومفتاح ماستر. وأرجو ألا تسألونى لماذا استدعيته مادمت أعلم حقيقته، فالناس يحبون من ينصب عليهم، على الأقل ليجدوا مبرراً ليلعنوه فيما بعد!
جاء الرجل بحقيبته الضخمة وابتسامته المداهنة، وضع حقيبته على الأرض ثم انحنى ليفك هذا الصندوق الغامض الملىء بالأسرار الذى يسمونه «الكومبينشن»، ورحت أشاهد أعجوبة حتى تصورت أنه سيخرج منه أرنب فى النهاية!!. وتفكك الصندوق العجيب أمامى إلى عشرات الأشياء الصغيرة التى لم أكن أتصور أن الصندوق يتسع لها، حتى كدت أصفق له – إعجاباً بالعرض المشوق - حينما اعتدل فى النهاية وقد عاد الصندوق بريئاً كما كان، ليطالبنى – بابتسامة عريضة – بمبلغ تسعين جنيهاً كاملة (صدق أو لا تصدق!).
فى المساء، كانت هناك مفاجأة سيئة بانتظارى، بينما كنت أتناول عشائى وأنا أشاهد التلفاز سعيداً كقطة راضية لحست لتوها طبق الحليب كله، متخيلاً لسذاجتى أن هذا العالم هو أجمل العوالم الممكنة، تسرب إلى أذنى صوت منتظم، هادئ وشرير.
وتكشفت لى الحقيقة المروعة. إنه السيفون!! لايزال يسرّب الماء، غير مبالٍ بالتسعين جنيهاً! ولما كان الليل قد انتصف، والنصاب – أقصد السباك - قد أغلق محله، فقد أمضيت أمسيتى أتسلى بتخيله بين أنياب تمساح جائع. من المؤسف أنه لم يعد هناك تماسيح هذه الأيام! لا أدرى لماذا انقرضت هذه الأشياء المفيدة؟!
فى الصباح، ناديته فجاءنى متوجساً، وقد تحولت بالنسبة إليه من زبون إلى دائن، وبوجه (خشب) طالبته بإصلاح ما جنت يداه، وبالفعل فتح الصندوق الغامض – دون تصفيق هذه المرة - وقام بتبديل قطعة بلاستيكية بأخرى أحضرها معه، وقام وهو يسب ويلعن فى رداءة الصناعة. نظرت إليه فى ارتياب وقلت فى نفسى: «أيها الرداخ كم من الجرائم ترتكب باسمك!!».
وتصورت – لسذاجتى - أن المشكلة انتهت، وأن العصافير عادت إلى أعشاشها، حتى عدت فى المساء ليتكرر السيناريو نفسه بحذافيره.
أرجوكم ألا تعتبرونى مبالغاً. أذكر كتاباً علمياً رصيناً اختار الصرف الصحى كأهم اختراع عرفته البشرية فى تاريخها، متفوقاً بذلك على الطائرات والكهرباء وانشطار الذرة!! ذلك لأنه قد أنقذ البشرية من الأوبئة المتكررة التى كانت تحصد الملايين، وأحدث انقلاباً شاملا فى أسلوب الحياة (تصور أن تجد نفسك مضطراً للقيام من مرقدك الدافئ إلى الخلاء لقضاء حاجتك!!) لذلك تجدنى غير مستعد بحال للعودة إلى العصر الحجرى بسبب سباك نصاب وردّاخ لعين.
وجاء النصاب فى الصباح، وقد صارت اللعبة مملة. وتحول همى الأكبر إلى معرفة اسم هذه القطعة التى أفسدت حياتى. «اسمها (ردّاخ) يا بيه» هكذا قال السباك وهو يضرب كفاً بكف، متحسرا على بهوات آخر زمن الذين يجهلون الردّاخ: «صدقنى يا بيه الصناعة رديئة والموضوع مشكلة، ونصف ماء البلد يتسرب بسبب الرداخ».
واضطررت لتصديقه بعد تغييره ثلاث مرات متتالية. وأصبح الرداخ - دون أى مبالغة - أهم شىء فى حياتى، واضُطررت لحمله فى جيبى ورحت أدور به على أصدقائى ومعارفى، باحثا عن ردّاخ جيد. أشعر بالحسد لمن لا يسرب سيفونه، وأرثى لمن يشاركنى مأساتى.
وأخيرا، لجأت إلى سباك آخر حكيت له القصة كاملة. فلزم الصمت العميق، ثم أغمض عينيه متأملاً، ونفخ دخان السيجارة فى وجهى، وهو يقول متفلسفاً:
«هو ده العيب! الناس بتفتى فى اللى متعرفوش. (ثم فى نفاد صبر) هو إنت يا دكتور لما بيفسد صمام فى القلب بتصلحه حتة حتة ولا بتقوم بتغيير القلب كله؟».
ماشى يا عم الفيلسوف. وماله؟ نغير المكنة. سنبدل المكنة كلها بمكنة تركى رائعة، هكذا أكد لى أن مشكلتى ستنتهى إلى الأبد! تنهدت وقلت فى نفسى: «ما كان من الأول!!». وصدقته كما اعتدت أن أصدق السباكين، وبالفعل قام بشراء مكنة كاملة جديدة، ثم قام بتثبيتها، ومرت خمسة أيام كاملة فى سلام، وصرت أذهب إلى الحمام للنظر إلى السيفون فى فخر واعتزاز. حتى سمعت الصوت المشؤوم، وعادت ريما لعادتها القديمة.
وأخيراً، وبناء على ما سبق، بعد تجربتى الشنيعة فى منع تسرب الماء من سيفونى العزيز، أرجوكم أن تتمهلوا فى قرار المفاعل النووى، مهما أكد المسؤولون استحالة تسرب أى شعاع ضار منه، وإلا فسأضطر آسفاً للبحث عن وطن بديل أقضى فيه بقية عمرى

اخدنا الكاتب بموضوعه وظننا انه يتحدث عن مشكلة تسريب

المياه فعلا ليصل بنا فى النهاية الى خشيته من تسرب الاشعاعات

النووية نتيجة للمفعل التى تسعى مصر لعمله وانا اتفق مع الكاتب

لأن درء المفاسد مقدم على جلب المنافع ونخشى حقا من تسرب

الاشعاعات لأنها ستكون طامة كبرى على مصر بأكملها .شكرا

ام شروق على نقل الموضوع وكل الشكر للدكتور ايمن الجندى

على المقال الرائع

استمتع كثيرا بمقالات د . ايمن الجندي

لانها تناقش قضايا غاية في الاهميه...كما انها تذكرني بالعملاق محمود السعدني

رحمة الله عليه ...هذذا الكاتب الساخر الذي كثيرا ما اسمتعنا بكتاباته

التي كانت تنشر في المصور وقبلها جريده الاهرام

وهذا هو الدكتور ايمن الجندي الرجل الذي يمتلك ادوات غايه في الابداع في مناقشه

القضايا التي يطرحها....شكرا زهره علي امتاع عيوننا وعقولنا بهذا

الادب الرفيع..والاسلوب الساخر الجميل وعنصر التشويق الهام الذي لا تخلو مقاله

من مقالات الدكتور الا وكان بها ما يميزها عن غيرها
...................

سعيدالعارف الضبع كتب:: اخدنا الكاتب بموضوعه وظننا انه يتحدث عن مشكلة تسريب

المياه فعلا ليصل بنا فى النهاية الى خشيته من تسرب الاشعاعات

النووية نتيجة للمفعل التى تسعى مصر لعمله وانا اتفق مع الكاتب

لأن درء المفاسد مقدم على جلب المنافع ونخشى حقا من تسرب

الاشعاعات لأنها ستكون طامة كبرى على مصر بأكملها .شكرا

ام شروق على نقل الموضوع وكل الشكر للدكتور ايمن الجندى

على المقال الرائع

ايمن الجندى اسلوبه ساحر ومحترم

وفرصة جيدة ان تعرفنا على كتاباته يا سعيد

شكرا سعيد

عبد الفتاح عبد الشافي كتب:: استمتع كثيرا بمقالات د . ايمن الجندي

لانها تناقش قضايا غاية في الاهميه...كما انها تذكرني بالعملاق محمود السعدني

رحمة الله عليه ...هذذا الكاتب الساخر الذي كثيرا ما اسمتعنا بكتاباته

التي كانت تنشر في المصور وقبلها جريده الاهرام

وهذا هو الدكتور ايمن الجندي الرجل الذي يمتلك ادوات غايه في الابداع في مناقشه

القضايا التي يطرحها....شكرا زهره علي امتاع عيوننا وعقولنا بهذا

الادب الرفيع..والاسلوب الساخر الجميل وعنصر التشويق الهام الذي لا تخلو مقاله

من مقالات الدكتور الا وكان بها ما يميزها عن غيرها
...................

محمود السعدنى كاتب عظيم يا ابو جمال

فكرتنى

عايزه اجيب مجموعة كتابات له هنا

فهو كاتب ساخر متميز

شكرا ابو جمال

» ويل للمطففين\أيمن الجندى
» > تـفــاءل / أيمن الجندى
» الكثير من الحب \أيمن الجندى
» محكمة الآخرة/ أيمن الجندى
» لحظات فى تأمل الكون/ أيمن الجندى