القطار الذى دهس سائقه

بقلم د. ايمن الجندي:
حدثت هذه الواقعة قبل الثورة بشهرين. كنت عائدا من القاهرة إلى طنطا ومعى حقيبة ثقيلة. حجزت مقعدا بالدرجة الأولى فى القطار الإسبانى (المُفترض أنه أفضل وأغلى القطارات). عند منتصف الليل بدت أنوار محطة طنطا عن قريب ثم توقف القطار قبلها. حاولت أن أستفهم من أحد العاملين عن سبب توقف القطار قبل المحطة، فلم أجد أحدا. قال أحد الركاب إن القطار سيدخل محطة طنطا بعد قليل.

مرت دقائق وأنا فى حيرة، وفجأة وجدت من يخبرنى بأن القطار يقف بالفعل عند المحطة، لكن العربة التى أركب بها ليس أمامها رصيف. جريت مفزوعا أجر حقيبتى الثقيلة، فأخبرنى أحدهم بأن القطار أطول من رصيف المحطة، لذلك فأول عربة للقطار يحاذيها الرصيف عند العربة رقم أربعة. جريت مهرولا، أفتح الأبواب الفاصلة بين العربات، وقد بدأ القطار يتحرك، وأنا ألعن القطار وألعن مصر وألعن نفسى. حينما وصلت للمخرج كان القطار قد تحرك بالفعل. دارت الأفكار بذهنى فى سرعة خاطفة. القطار الإسبانى لن يقف إلا فى الإسكندرية، ونحن الآن فى منتصف الليل.

هذا معناه أننى سأصل الإسكندرية فى الثانية صباحا، حيث لا توجد قطارات أصلا. سيكون علىّ أن أذهب إلى موقف سيارات الأجرة، ومنه أنتظر سيارة متجهة إلى طنطا. هذا يعنى أننى سأصل إلى بيتى فى الخامسة صباحا، هذا لو وصلت أصلاً! كانت سرعة القطار تزداد رويدا، اتخذت قرارى فى ثانية، وقررت أن أقفز من القطار. وطلبت من أحد الواقفين أن يقذف بالحقيبة خلفى.

وبالفعل قفزت من القطار فى قرار مخطئ تماما. لمست قدمى رصيف المحطة فوجدتنى أطير فى الهواء منكفئا على وجهى. فى تلك الثانية الواحدة مر بى شريط عمرى بأكمله. مرارة استشعرتها لم أستشعر مثلها فى حياتى. لم أفهم - وأنا أطير فى الهواء والحقيبة تطير ورائى - لماذا أهان وأتعثر! لم أفهم ما خطئى بالضبط لأعامل بهذه الطريقة؟ ولماذا يسيّرون قطارا أطول من رصيف المحطة؟ ولماذا لم ينبهنا أحد العاملين بالقطار بضرورة الذهاب إلى منفذ العربة الرابعة قبل وقوف القطار بوقت كافٍ؟ ولماذا أطير وأنقلب فى الهواء مُعَرَّضا للموت الشنيع تحت عجلات القطار؟ لماذا حياتنا دون سائر الشعوب رخيصة؟ هل ذنبى أننى وُلدت بمصر؟ وهل سأظل أدفع الثمن طيلة عمرى؟

لا أريد أن أُطيل عليكم. وقعت على يدى اليمنى التى أجريت عليها عملية جراحية حديثا بسبب حادثة إهمال مُشابهة. يدى اليمنى التى بها آكل وأكتب وأعمل. ذهبت إلى قسم شرطة المحطة وأنا أسبُ وألعن. استقبلنى أمين شرطة مخضرم حاول أن يهوّن علىّ مصيبتى بحكاية ألعن. القطار الذى دهس سائقه فى أعجوبة لا تحدث إلا بمصر. نسيت مصيبتى وشرعت أستمع إلى الحكاية مذهولا. كان القطار قد بدأ التحرك من محطة طنطا حين استمع السائق إلى صوت استغربه. فتح الباب جواره ليرى سبب الصوت، فانخلع الباب فجأة وسقط السائق تحت عجلات قطاره الذى فرمه.

وإذا سألتنى عن المغزى من هذه الحكاية لقلت لك إن الحياة بمصر تستلزم مهارات لا يهتم مواطن البلاد المتقدمة بتعلمها. مثال ذلك أن القفز من الأجسام المتحركة له أصول. خلاصتها أنك يجب أن تظل تجرى بعد هبوطك فى اتجاه سير القطار ثم اكبح سرعتك بعدها إن استطعت! وغالبا لن تستطيع ذلك. والدليل أن المصرى يظل يجرى منذ نزوله من رحم أمه حتى دخوله القبر دون أن يتمكن من تهدئة سرعته.

دوما ما تكون موضوعات ومقالات الاستاذ ايمن الجندى

ذات مغزى واهمية كبيرة والاهمال للاسف الشديد متفشى

فى كل شىء وليس فى وسائل المواصلات وفقط وكم من

مواطن راح ضحية للاهمال بمختلف احواله .ربنا يصلح

الحال ان شاء الله .شكرا ام شروق على نقل المقال القيم

هذه القصه اهون من غيرها بكتير فى الاخر بناخد ايه من المسؤلين يقولك يتم التحقيق فى هذه القضيه حين ميسره ومافيش اى جديد شكرا استاذه زهره على الموضوع القيم

سعيد

جهاد

شاكرة لكما

ونتمنى ان ينصلح الحال ويتعدل دى ارواح ناس