حلول سريعة يطرحها البسطاء

بقلم: د. أيمن الجندى

الطريق نقطعه بالحديث، أنا وسائق السيارة: هل أنا بحاجة لأن أقول إننى أشعر براحة أكبر مع هؤلاء البسطاء؟ هل أنا بحاجة لأن أؤكد أنهم يملكون الحلول السريعة لمشاكل الوطن، ولو أصغينا لهم، بدلا من النخبة التى تتحدث لغة لا نفهمها، لصارت حياتنا أسهل وأجمل.

كان الطقس خريفياً منعشاً، مشبعاً بقبلات الشمس وقطرات الندى ورائحة الصباح، وفجأة وجدنا جذع شجرة يسد الطريق، وقبل أن أتساءل أو حتى أفهم ما حدث، وجدت السائق بتلقائية قد سلك طريقا آخر. سألته مستغربا: «ما هذا؟»، قال ببساطة: «واحد بيصب خرسانة. راح قفل الشارع». قلت مذهولاً ومستفظعاً: «ببساطة كده؟!». قال السائق وكأنه شىء مفروغ منه: «ما هو كل واحد فى البلد بيعمل اللى هو عاوزه».

سكتُ لبرهة محاولا الاستيعاب، ثم تساءلت بصوت جريح: «والشرطة فين؟». قال السائق فى اندفاع: «الشرطة غلابة يا دكتور، ومش لاقيين ياكلوا». قلتُ فى دهشة: «بتدافع عنهم؟».

قال فى شهامة ابن البلد الأصيل: «ومادافعش عنهم ليه؟ بيتهانوا وبيخاطروا بحياتهم! عايزهم يشتغلوا؟ أعمل زى ما الرسول قال: أعط الأجير أجره قبل أن يجف عرقه)، لكن تدى له مرتب أى كلام، وعاوزه يغامر بحياته! يفتح الله».

قلت مستفهماً: «طيب والحل؟»، هز كتفه فى بساطة وقال: «أقل حاجة تساويهم بالقضاة، مش بيدوا القضاة مرتبات كبيرة عشان مايضعفوش للإغراءات، طيب ما الشرطة أولى». قلتُ يائسا: «والحكومة تجيب منين؟» قال فى غضب: «ما إحنا بنخسر مليارات بسبب غياب الأمن. مافيش سياحة ولا استثمار ولا استقرار. املوا عينهم الأول وبعدها حاسبوهم».

وساد الصمت بيننا لمدة طويلة. رحت أتأمل القاهرة. منهكة، متعبة، حزينة. سألته فى ضعف: «تفتكر إن الأمور حتتصلح؟»، قال فى اندفاع: «تتصلح إزاى وماحدش قلبه على البلد! إسلاميين، علمانيين، شباب ثورة، كلهم قاعدين يتخانقوا، وماحدش حاسس بالشعب. شفت حد فيهم عمل مليونية عشان يشغلوا العاطلين ولا يضبطوا الأسعار! حضرتك شايف الأسعار ولعت إزاى والناس مش عارفة تعيش؟!».

قلتُ فى غضب وقد استفزنى الحديث: «إنت فاكر إن اللى بيحصل عندنا تجارة أو اقتصاد سوق أو عرض وطلب؟! اللى بيحصل سرقة علنى! قطع طريق! التجارة فى كل العالم إنك تكسب عشرين فى المية! ثلاثين فى المية! مش تلتماية المية. عندنا التاجر بيشترى الموتوسيكل من الصين بخمسميت جنيه ويبيعه بعشرتلاف جنيه. دى لو كانت مخدرات ماتجبش المكسب ده».

قال السائق فى حماسة: «أنا نزلت سوق الجملة من كام أسبوع لقيت كيلو الكمثرى اللى بيتباع بره بسبعة ثمانية جنيه، لقيته بسعر الجملة 3- 4 جنيه. أنا بقيت حاتجنن!». قلت فى دهشة: «اللى مستغربه ليه ناس زى الإخوان المسلمين ولا السلفيين ما يخدموش المجتمع، ويفتحوا منافذ توزيع، ويبيعوا بسعر التكلفة أو حتى بربح معقول، على الأقل كل الناس حتحبهم، مش بيقولوا إنهم عاوزين رضا ربنا! طيب ما رضا ربنا فى مساعدة الغلابة؟!».

قال السائق مؤيدا: «وهو أصلا تاجر الجملة مش كسبان؟ ده واخدها من الغيط باتنين جنيه؟ طيب ما يشتروها مباشرة من الغيط». قلت له فى حزن: «الغريب أن المقترحات كثيرة وسهلة، لكن ماحدش بينفذها، بذمتك فكرة ذى دى معضلة ولا قنبلة ذرية ولا محتاجة ذكاء! حاجة تحزن بجد إنك تلاقى كل شىء دخل فى قرف وجدل، وعمرك ما تلاقى حد بيعمل حاجة تفيد الناس! طيب زمان كانوا بيقولوا أمن الدولة بيمنعنا، دلوقت حجتهم إيه! نقول إيه بس؟!».

قال السائق وهو يرفع عينيه إلى السماء: «نقول يا رب». فقلت وراءه متضرعا: «يا رب».

كل انسان له طريقة تفكير معينة بيفكر بها والبسطاء ايضا

لهم طريقة للتفكير قد تكون هى الاصوب لأنهم الوحيدون

الذين يعيشون الحياة ويتعرضون لضغوطها ويبحثون دوما

عن وجود حلول لمشاكلهم وموضوع مساواة اجور الشرطة

بالقضاة امر صعب نفيذه ولكن يكفى ان يكون الراتب كريم

حتى يستطيع رجال الشرطة ان يؤدوا واجبهم بسهولة ويسر

شكرا ام شروق على نقل المقال القيم للدكتور ايمن الجندى

شكرا سعيد
ولكل وجهة نظره
وكله دلوقت بيتكلم فى السياسه والحكم والاجور والاقتصاد
وكل واحد على طريقته

» من هؤلاء البسطاء تعلمت
» البسطاء وحدهم من يدفعون الثمن
» شعارات عبدالناصر واقترابه من البسطاء وراء اكتساح صباحي
» محطات سريعة لكن لها فى القلوب اثر
» ‏4 نصائح سريعة لتخفيف الوزن