حدثتنى الصورة

بقلم: د. أيمن الجندى

حينما شاهدتُ صور القذافى والكدمات تملأ جسده نسيتُ الوجه المجنون ذا
القناع الجامد! نسيتُ أفعاله الشنعاء التى يستحق عليها القتل ألف مرة! نسيتُ أنّات
السجناء وآهات الضحايا، وتذكرتُ فقط صوره القديمة. الصورة التى التقطت له بعد نجاح
ثورته مباشرة بملامحه الصحراوية الحادة، وشعره الثائر المُتمرد، وعينيه الصافيتين
المندهشتين.

الشاب البدوى القادم تواً من بكارة الخيمة وفسحة الصحراء، الذى حين ذهب لأول
مؤتمر قمة عربية فى الدار البيضاء، وشاهد رئيس الديوان المغربى يقبّل يد الملك
الحسن، راح يصرخ فى الملوك والرؤساء: «إذا كنتم ترضون بأن يقبّل رجل يد رجل آخر،
فأنتم فى عصر العبودية».

وحين أبصر وزير داخلية المغرب السفاح «بوفقير» الذى قتل وعذّب المناضل «مهدى بن
بركة» راح يصرخ فى أروقة المؤتمر: «اقبضوا على هذا القاتل، أمسكوا هذا السفاح».

الحالم الذى كان يحمل كل هذه البراءة، هل كان يتخيل- مجرد تخيل- أن تكون نهايته
على هذا بعد أربعين عاماً! وهذا الوجه البرىء الحالم يصبح وجه طاغية مجنون.

آه من الصور القديمة وما تفعله بنا! لماذا نحتفظ بها فتكون شاهدة علينا؟! فى
البدء كانت النضارة، والدهشة والبكارة، وغفلة العذرية، ثم دارت الأرض دورتها،
غيّرته السلطة وغوايات المنافقين.

شَنَق، قَتَل، غيّب فى السجون الشرفاء والمعارضين، خاض مغامرات عسكرية، أسقط
الطائرات المدنية، جر الوبال على شعبه، أهدر المليارات! مع كل فعل آثم رسمت القسوة
خطاً على وجهه! تحول وجهه إلى لوحة سوداء ملطخة بالدم، نسى أن يتطلع إلى المرآة، لو
كان قد تطلع إليها لعرف أنه قد تغير، وأن عينيه المندهشتين فقدتا صفاءهما
القديم.

تعذبنى الصور القديمة! تشجينى! تبكينى! تطيح بى! ألم يحدث لك أن أمسكتَ بصورة
قديمة قد انثنى طرفها وحالت ألوانها، فإذا بالوجوه القديمة تعود إلى الحياة، تضحك
الوجوه فى براءة، غافلة عن المصير المنتظر، عن الزمن الآتى بسلطانه وصولجانه، يُحدد
المصائر ويعيد تشكيل الوجوه.

هذا الفتى الباسم المفعم بالأمل، المطمئن للمستقبل، صار اليوم عظاماً فى باطن
التراب. لم يخطر على باله أن تكون نهايته فى تصادم سيارات! وهذا الفتى الهادئ قد
صار أنجحنا جميعاً! وهذه الفتاة الجميلة، بثوبها الحريرى الذى يُبرز فتنتها، طُلّقت
مرتين. وهذه البنت العادية كانت أسعد البنات حظاً فى الأمومة والزواج.. ترى ما هو
المخبوء لنا فى ختام الحياة؟

قالت لى الصور القديمة: «أنت فى الماضى غيرك الآن. والنهر الواحد لا ينزله
الإنسان مرتين، لقد رحلت القطرات القديمة، وجاءت قطرات جديدة، توطئة لأن تذهب هى
الأخرى. لماذا لا تصدق أن الجميع إلى زوال؟!».

وقالت لى الصور القديمة: «لماذا تقيمها مناحة؟! ألم يأن لك أن تعلم أن الحياة لا
تعبأ بالفرد، وإنما بالأجيال الجديدة والصغار القادمين».

وقالت لى الصور القديمة: «لو دامت لغيرك ما وصلت إليك».

وقالت لى الصور القديمة: «كل شىء زائل! هل ثَمّ إلا وجه الله!».

وقالت لى الصور القديمة: «ألم يكن خيراً للقذافى أن يظل ضابطاً عادياً؟! ألم يكن
خيراً لمبارك ألّا يختاره السادات؟!».

وقالت لى الصور القديمة: «احذر، فإنك لا تدرى هل يُختم لك بالسعادة أم
بالشقاء؟».

وقالت لى الصور القديمة أيضاً: «جماع الأمر كله: لا تحزن على ما فاتك، ولا تفرح
بما آتاك».

كل شىء يتغير فالشكل يتغير والصفات تتغير ونمط التفكير

ايضا يتغير وقد حدث ذلك مع القذافى فتحول فى خلال اربعون

عاما من رجل ثورى لطاغية يثور عليه شعبه . ولكن للاسف

الشديد الشعب نفسه هو من يصنع الطاغية بضعفه وتخاذله

والتعظيم الزائد عن الحد للحاكم وبالفعل نحزن على الصورة

القديمة عندما نجدها بهتت وذبلت وتغيرت معالمها .شكرا

ام شروق على نقل المقال الرائع للدكتور ايمن الجندى

كان القذافي في اول عهده مليئ بالحماسة والرغبة

في تحقيق العدل ولكن من الواضح ان السلطة وزهوتها

اثرت عليه وحولت تفكيره تماما من رجل يريد الخيرلليبيا

وهو سبب ثورته الي رجل لا يحب الا نفسه ولا تعنيه

ليبيا ولا شعبها في شئ حتي جاءت نهايته مأساوية لم يكن

احد يتوقعها .

شكرا ام شروق علي هذا الاختيار الموفق