شيخ الازهر وندوة "التوافق الثقافي في ضوء وثيقة الأزهر

أكد الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب ،شيخ الأزهر، علي أن أبرز ملامح الثقافة الإسلامية قبل احتكاك مصر بالغرب إبان حملة نابليون بونابرت إنها ثقافة إنسانية في المقام الأول اهتمت بتكريم الإنسان وتحرير عقله ووجدانه وجسده.

وعملت على المساواة بين البشر وإنصاف المرأة وتقرير حق الاختلاف في الرأي والاعتقاد والتفكير، والتعبير عن ذلك بحرية مأمونة العواقب.

جاء ذلك في كلمته في افتتاح ندوة "التوافق الثقافي في ضوء وثيقة الأزهر"، والتي نظمها منتدى الحوار بالمكتبة، بالتعاون مع مشيخة الأزهر، في مركز الأزهر الدولي للمؤتمرات في القاهرة .

وأضاف بأن الثقافة الإسلامية أصابتها علل وآفات في القرنين الماضيين، أبرزها آفة الانشطار والتمزق.

وشدد على أن أخطر ما أصيبت به الثقافة المصرية هو التناقض المصطنع بين التراث وحداثة الغرب؛ إذ أصبحت لدينا ثقافتان أولاهما تريد العودة للوراء، والأخرى تتجه لما وراء البحار، مما أدى إلى وجود خواء ثقافي.

ورأى أن كلتا الثقافتين فشلتا في تبني هموم المجتمع ومجابهة تحدياته، نظرًا لغياب الرؤية المشتركة التي يتم تحديد معالمها والاتفاق على إطارها، مشددا على أنه لا مفر من التوافق الثقافي في إطار ثوابت لا تهتز.

وأشار إلى ضرورة عقد لقاءات منتظمة وجلسات تشاور مستمرة مع المفكرين والمثقفين ومسئولي التعليم والثقافة وغيرها للوصول إلى التوافق المنشود.

وفي كلمته في افتتاح الندوة أوضح الدكتور إسماعيل سراج الدين؛ مدير مكتبة الإسكندرية أن وثيقة الأزهر الشريف أرست مساحةً عريضةً من الاتفاق بين المصريين جميعًا، بصرف النظر عن توجهاتهم الفكرية، وتمتعت بقبول واتفاق غالبية القوى السياسية، الذين رأوا فيها تعبيرًا عن التراث الفقهيّ والدستوريّ المصريّ.

وأضاف أنه تم اعتبارها وثيقةً مرجعيةً لكافة المحاولات التي جاءت بعد ذلك في رسم العلاقة بين الدين والدولة في النقاش حول الدستور القادم.

كما ينظر إليها الكثيرون باعتبارها واحدةً من أهم الوثائق التي صدرت عقب ثورة 25 يناير؛ لما تحتويه من مبادئ راسخة.

وأشار إلى أن مكتبة الإسكندرية - تأكيدًا منها لقيمة هذه الوثيقة في رسم معالم المستقبل وتجاوز الاستقطاب الثقافيّ الحادّ في المجتمع المصريّ - سعت بالتعاون مع الأزهر الشريف في إصدار الوثيقة باللغة العربية، ولغات أخرى؛ مثل الإنجليزية والألمانية والتركية والفرنسية.

وكذلك إصدارها بلغات أقل تداولاً مثل الصينية والأوردية والبوسنية والفارسية والإندونيسية والمالاوية، حتى يتمكن العالم من الإفادة من هذه الوثيقة المهمة.

ونوّه إلى أن التراث والفكر الإسلامي لهما مكانة خاصة في برامج مكتبة الإسكندرية البحثية والعلمية؛ فمنذ اللحظة الأولى لإعادة إحياء المكتبة، أنشأت مركزًا للمخطوطات، وحرصت على رقمنة المخطوطات لتكون متاحةً للجميع، فضلاً عن إصدارها سلسلة النشر التراثي متعدد اللغات.

كما سعت المكتبة لإحياء التراث العلميّ الإسلاميّ في مجالات الرياضيات والفلك والكيمياء، وسعت إلى تكوين جيل جديد من الباحثين في التراث العربيّ الإسلاميّ.

وساهمت في إحياء تراث الفكر الإسلامي من خلال سلسلة "في الفكر النهضوي الإسلامي" التي تهدف إلى إعادة نشر أعمال رواد عصر النهضة.

وأوضح أن الوحدة الوطنية التي جمعت شمل الشعب كلّه حول رغبته في إسقاط النظام، سرعان ما واجهت تحديات خطيرة مع ظهور انفلات أخلاقيّ في السلوكيات، وتحطمت أمام التصورات المتضاربة لمستقبل الوطن من أقصى اليمين إلى اليسار، كلّ يبني رؤاه على إرث ثقافيّ قديم، ويصرّ على استبعاد كلّ مغاير عنه، بينما وقفت السلطات مكبلةً بحجم التحديات، وإلحاح الأولويات.

وأكد أنه في أجواء هذا التشرذم الذي جاء بعد اللحظة التاريخية التي جمعت شعب مصر كلّه يدًا واحدة، ظهرت بعض المآخذ في المجتمع المصري .

ومنها أحادية الفكر ورفض التعددية، والاستقطاب الواضح بين الرؤى، وبصفة خاصة بين التيارين الإسلامي والعلمانيّ، وإشعال فتيل الفتنة الطائفية مرةً أخرى، والتخبّط والضياع وغياب المنهج الفكري العصري في التعامل مع التحديات والصعاب.

وشدد سراج الدين على أن الانغلاق في قوالب نظرية من الماضي يعد انتكاسةً إلى الوراء ونحن على مشارف عهد جديد. وأضاف أن الإعلام ركّز في الفترة الماضية بكثافة على التيار الإسلاميّ، متحدثًا عن السلفية الإسلامية وتعصبّها، والجماعات الإسلامية وتطرّفها، بما يتّجه خطأً إلى إدانة الإسلام ككل.

وألمح إلى أن التطرف والجمود ليس ظاهرةً دينيةً، بل يوجد في الحركات السياسية بأطيافها، وأن مجازر القرن العشرين الكبرى التي أودت بحياة عشرات الملايين من الضحايا من الحروب العالمية إلى النازية إلى الستالينية في الاتحاد السوفيتي إلى الماوية في الصين، كلّها لا تمتّ بصلة للإسلام أو لأي دين آخر.

ولفت إلى أنه آن الآوان لأن يتم التأكيد على الوسطية الإسلامية التي كانت دائمًا من سمات الظاهرة الدينية في مصر، بتراثها التنويري الحديث من محمد عبده إلى مصطفى المراغي إلى غيرهم من العلماء الذين واكبوا العصر، وأنصفوا التاريخ.

وقال إن من العلمانيين من انغلق أيضًا في قوالب نظرية بالية، فصحّ عليهم ما أطلقه البعض من نقد باعتبارهم "سلفية علمانية"، والمقصود هنا أنه لا يكفي لمجابهة التحديات والمخاوف أن يتم الأخذ بأقوال مونتسيكو وفولتير ولوك، ولا النقل حرفيًّا من الدستور الأمريكيّ أو الفرنسيّ أو التركيّ.

حيث إنه من المهمّ في الاستئناس بتجارب الآخرين إدراك أنها كلّها وليدة أفكار خاصة، في فترة تاريخية معينة، في دولة محددة لها تاريخها وإرثها الثقافيّ، وأنها جاءت لتعالج ظروفًا مجتمعية لشعوب معينة.

ودفع بأنه إذا أردنا لشعب مصر أن يحقّق آماله في مطلع عصر جديد، وجب أن نستلهم من واقعنا وتاريخنا وتراثنا، ما يناسبنا ويواكب تحديات العصر من التطور العلميّ والتكنولوجيّ وما نلمسه من ظواهر العولمة اقتصاديًّا وثقافيًّا وسياسيًّا.

وأشار إلى أهمية دراسة التجارب الفاشلة حتى تتفادى مصر ما حدث فيها من أخطاء، لافتًا إلى أنه لا بديل لهذا المنهج العلميّ في الدراسة واتخاذ القرار.

ولفت الانتباه إلى أن هذا ليس هذا غريبًا علينا؛ إذ إن ابن الهيثم وابن النفيس وغيرهما هم الذين أسّسوا المنهج العلميّ الحديث المعتمد على القياس والتجربة.

فكان عالم الإسلام هو رافع راية العقلانية والعلم والمعرفة، لمدة ألف سنة أو ما يزيد، إلى أن انتقلت الشعلة إلى أوروبا في عصر النهضة، وما تلاها من ثورة علمية.

وأوضح أن وثيقة الأزهر جسّدت مساحةً عريضةً من التوافق حول قضايا عديدة ومتنوعة؛ مثل: بناء دولة ديمقراطية تعرف قيم المساواة والمواطنة والحكم الرشيد وتقوم على التداول السلميّ للسلطة.

والتأكيد على حرية التعبير باعتباره أساسًا لنهضة المجتمع والتعبير عن الأفكار والرؤى المتنوعة، والتعليم باعتباره المسار الأساسيّ لنهضة الأمم، والتعددية واحترام الاختلاف باعتبارها سنةً كونيةً.

ومن جانبه أكد الدكتور عبد الله بن بيّه نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في كلمته، أن مصر هي قلب العالم العربي، وأنه بصلاحها تصح دول المنطقة.

وقال إنه كان يستشهد بمصر نموذجا للتعايش على مدار 14 قرنًا في لقاءاته في الغرب، معربا عن تطلعه أن تظل نموذجًا تاريخيًا للتعايش.

ونوّه إلى أن الوضع اليوم يبدو خطيرًا، وأن الأزهر يتصدى له بثقته ووثيقته، التي رأى أنها جاءت في وقت مناسب؛ حيث إن الثورات تحتاج إلى أن يعقبها "هندسة" للمستقبل، لافتًا إلى أن الأزهر مؤهل للاضطلاع بتلك المهمة إلى جانب النخبة المصرية. وألمح إلى أن لبنات بناء مصر الجديدة هي قيم التسامح والعدل والمساواة والإخاء والإحسان.

ورأى أن مصر وغيرها تفتقر إلى مقاربة لتفعيل الديمقراطية بالشورى من أجل المحافظة على السلم الاجتماعي، مستشهدا بمقولة جان لوك التي ذكر فيها أهمية أن يكون الحكم بالتراضي، وهو ما يتأتى من خلال الحوار.

مهما حاولنا التقريب بين الثقافات فلا بديل لنا عن ثقافتنا

الاسلامية فالثقافة الاسلامية هى اساس الثقافات ومنبع العلوم

ولكن نحن من اغفلنا ثقافتنا فتهنا عن الحق . شكرا ام شروق

على المتابعة لكل اخبار الازهر

» وثيقة الازهر وثيقة التنوير //يحيى الجمل
» شيخ الازهر يلقى بيان غدا الإثنين لتفعيل وثيقة الازهر
» نسخة من وثيقة الأزهر لعمان
» الأزهر يعد وثيقة إصلاح عربية
» الأزهر يعد وثيقة للدفاع عن القدس