يبدو أن حالة الانفلات الأمني
والأخلاقي التي ضربت مصر عقب الثورة لم تكن مقصورة علي الشوارع والميادين
فقط, بل امتدت لتعصف بشبكات المحمول أيضا,
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] فخلال يومي الجمعة والسبت الماضيين تلقيت سيلا متواصلا من المكالمات من
ثمانية أرقام محمولة ورقمين أرضيين. وصل إلي78 مكالمة, من الواضح أنه يقف
ورائها تشكيل عصابي متخصص في الأعمال المنافية لللآداب, يعمل بحرفية وخبرة
إجرامية عتيدة وله قدرات تنظيمية واضحة, تجمع بين الأداء البشري المباشر
والاستخدام المفرط للتكنولوجيا وأدواتها في الحض علي الانحراف والرذيلة
ونشرها عبر اصطياد ضحاياها من خلال شبكات التليفون المحمول, والتفاصيل
التالية أقدمها كبلاغ للنائب العام وشركات المحمول وجهاز تنظيم الاتصالات
وكل الجهات الرقابية في هذا البلد لتعقب هذه النوعية من التشكيلات
الإجرامية والقائمين عليها حماية للمجتمع وقيمة وعقيدته ودينة وأخلاقه.
بدأت القصة بالمصادفة حينما دق جرس التليفون المحمول أثناء انهماكي في
العمل, وبصورة عفوية فتحت الخط وتأخرت للحظات قبل البدء في الرد, وحينما
وضعت التليفون علي أذني وقبل أن أقول آلو سمعت همهمة غريبة علي الطرف
الآخر, فتصورت أن ثمة خطأ ما في إتمام المكالمة فأغلقت الخط, وبعد ثوان ظهر
الرقم نفسه علي الشاشة مرة أخري, وفتحت الخط وهذه المرة تلكأت في الرد
عمدا لمعرفة ما يجري, وصعقت حينما تبينت أن أصوات الهمهمة ليست سوي شيء
فاحش يعبر عن أقصي درجات الرذيلة من الطرف الآخر, وسرعان ما تحولت الهمهمات
إلي كلمات واضحة صادرة عن صوت امرأة, فأغلقت الخط مرة أخري دون أن أهمس.
توقعت بالطبع أن الطرف الآخر سيعاود الاتصال, فبدأت التفكير في كيفية
التعامل مع هذا الأمر, وقررت التعامل علي مرحلتين, الأولي إيهام الطرف
الآخر بأنني وقعت ضحية له وذلك بمجاراته وفتح الخط للاستماع إلي ما يقول
حتي النهاية, وفي المرحلة الثانية محاولة إرباكه ومراوغته برفض المكالمة
فورا أو عدم فتح الخط, ليتصور أنني في طور التفكير والتراجع عن مجاراته
لدفعه لمزيد من الاتصالات, باعتبار ذلك يعطي فرصة للتعرف علي تكتيكاته في
مطاردة ضحاياه.
ما أن دق الجرس مرة أخري حتي فتحت الخط ورحت أستمع, وكان تكتيك الطرف
الآخر هو استخدام الأصوات الحية الحقيقية أولا, فجاء صوت رجل منحرف وساقط
ليبث قذارته وفجوره وفحشه بأقبح ما يكون, ثم جاء صوت أنثي ساقطة وفعلت
الشيء نفسه وأكثر, واستمرت المكالمة لحوالي دقيقتين أغلق الخط بعدها.
مرت عدة ثوان أخري ودق جرس التليفون وتحدث الطرف الآخر بطريقة فاحشة
كالمرة السابقة, لكن أعقبه هذه المرة بث تسجيلات صوتية مسجلة لساقطات
ومنحرفات يتحدثن بلهجات غير مصرية, منها لهجات لبنانية وسورية, واستمرت هذه
المكالمة لمدة ستة دقائق, وبعدها أغلق الخط بطريقة أغلب الظن أنها
تلقائية.
بعد عدة ثوان دق جرس التليفون من الرقم نفسه, وفتحت الخط فجري ما جري في
المكالمة السابقة, غير أن التسجيلات الصوتية أصبحت أكثر عددا وطولا, وتبث
فحشا وبذاءة وانحراف لا يتصوره عقل, واستمرت المكالمة هذه المرة لأكثر من15
دقيقة متصلة, أغلق بعدها الخط بصورة تلقائية أيضا.
لاحظت أن طول المكالمة يتصاعد بصورة تدريجية منظمة مكالمة بعد أخري, كما
أن هناك نظاما أو طريقة ممنهجة في العمل لدي الطرف الآخر, فالمكالمات تبدأ
بالأصوات الحية, ثم ينتقل الأمر بعد ذلك للتسجيلات الصوتية حتي يتم إغلاق
الخط تلقائيا, وفي كل مرة يحدث تنوع واختلاف في طريقة الحض علي الرذيلة
ونوع الفحيح المسموم الذي يبثه الطرف الآخر عبر التليفون, وهو ما يجعلنا
نستنتح أننا إزاء عمل منظم يستخدم فيه برمجيات معينة, تدير حركة الاتصالات
وتبث أولا الصوت الحي, ثم تنتقل لمكتبة بها تسجيلات مرتبة بطريقة منظمة
وليس عشوائية, ويتم انتقائها وبثها بصورة منظمة, ثم إغلاق الخط بأمر من
البرنامج أو نظام البث, مما يعني أننا أمام مجموعة من المنحرفين المحترفين
وليس شخص يلهو ويعبث بالآخرين ويضايقهم.
بعد انتهاء هذه المكالمة حتي آخرها قررت الانتقال للمرحلة الثانية, وهي
إيهام الطرف الآخر بأنني أرفض أو لا أهتم, أو أحتاج جهدا إضافيا كي أقبل
بالانضمام إلي ما يريد, وما أن دق التليفون مرة أخري حتي سارعت بإغلاق الخط
بعد أول دقة, وهنا بدأت لعبة الضغط والصد, ففي البداية أصبح الاتصال يتم
بمعدل مكالمة كل نصف دقيقة فأقل فأرفض المكالمة, وبعد18 محاولة متتالية بدأ
الطرف الآخر يطور أدائه ويبدأ باستخدام أرقاما مختلفة عن الرقم الأول,
وصلت إلي ثمانية أرقام, وفي خطوة تالية بدأت المكالمات تأتي من خطين أرضيين
إلي جانب الخطوط المحمولة, حتي أصبحت المكالمات ترد من عشرة خطوط, وبعدها
قررت عدم رفض المكالمة ولكن ترك جرس التليفون يدق حتي يفصل تلقائيا,
ولتنفيذ ذلك حولت وضعية التليفون إلي وضع صامت, وتتالت المكالمات ولاحظت أن
الفاصل الزمني بين كل مكالمة والتي تليها يزداد, فارتفع من حوالي نصف
دقيقة إلي عدة دقائق, ثم ظل الفارق الزمني يتسع حتي أصبح بالساعات, وفي
اليوم التالي كله يوم السبت تلقيت10 مكالمات فقط, وفي النهاية وصل عدد
المكالمات التي تلقيتها من هذه العصابة إلي78 مكالمة في يومين,30 منها من
الرقم الذي ظهر لأول مرة, و19 من رقم آخر, اما باقي المكالمات فتوزعت علي
الأرقام المحمولة الستة الباقية وأرقام الخطين الأرضيين, وهذا يدل علي أن
الاتصالات لا تصدر عن شخص وإنما عن حزمة برمجية مثبتة علي جهاز حاسب متصل
بعدة خطوطن وتعمل هذه الحزمة البرمجية كسويتش يتنقل بين الخطوط, وفق ترتيب
وفوارق زمنية معدة سلفا, وعند فتح الخط يحول المكالمة إلي أي من الساقطين
والساقطات الذين يعملون معهم, بما يتناسب مع رد فعل الضحية.
هذا السلوك يدعم القول بأن ما يجري من تدبير عصابة تدير شبكة منافية
للآداب وتسعي لنشر الرذيلة عبر المحمول, مستغلة في ذلك غرائز ضعاف النفوس
خاصة من الشباب صغير السن في مرحلة المراهقة, الذين يملكون خطوطا وتليفونات
محمولة ويسهل جرهم إلي هذا المستنقع, وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن
المحمول منتشر بين أكثر من ستين مليون مصري أغلبهم من الشباب, وأن ما يجري
علي المحمول مسألة بين المستخدم ونفسه, بعيدا عن رقابة الأهل أو أي جهة
أخري, لتصورنا حجم الكارثة والتدمير الأخلاقي والمجتمعي الذي يمكن أن تسببه
هذه العصابات, وهذا ما يجعلني اعتبر ما حدث بلاغ إلي النائب العام وجهاز
تنظيم الاتصالات وإدارة مكافحة جرائم الآداب وغيرها من الأجهزة المعنية
لتتبع هذه العصابة وضبطها بأقصي سرعة, خاصة أن كل من يعمل في قطاع
الاتصالات يعرف أنه من السهل تتبع هذه العصابات وضبط أصحابها عبر أرقام
الخطوط المستخدمة, والحالة الوحيدة التي يصعب فيها التتبع هي أن يكون صاحب
الخط مجهول الهوية مما يتعين معه بذل جهد أكبر, وفي هذه الحالة تتحمل
الشركة المعنية جزءا من المسئولية, لان تساهلها في ترك الخطوط مجهولة
الهوية يعمل علي تسهيل عمل هذه العصابات الإجرامية التي تحض علي الرذيلة,
وفي النهاية أرقام الخطوط العشرة التي اتصلت بي موجودة لمن يطلبها.
المصدر ...جريدة الاهرام
الثلاثاء ديسمبر 20, 2011 9:32 am
