كل جديد ومتميز وحصرى تجدونه هنا فى ومضات السها
كل جديد ومتميز وحصرى تجدونه هنا فى ومضات السها
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


واحـــــة الإبــداع والفــن والتــألق
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
مع الشاعر يس الفيل  Support

 

 مع الشاعر يس الفيل

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سعيدالعارف الضبع
المراقب العام للمنتدي



عدد المساهمات : 17528
العمر : 37
الموقع : الرياض

مع الشاعر يس الفيل  Empty
مُساهمةموضوع: مع الشاعر يس الفيل    مع الشاعر يس الفيل  Icon_minitimeالسبت يناير 21, 2012 8:16 pm

مع الشاعر يس الفيل  1923

يس الفيل
يس قطب إبراهيم الفيل (مصر).
ولد عام 1927 في دست الأشراف , البحيرة- مصر.
حصل على شهادة صلاحية التدريس 1956.
عمل كاتباً بمنطقة دمنهور التعليمية, وأحيل إلى المعاش 1987 وكيلا للعلاقات العامة.
شارك في معظم مؤتمرات أدباء مصر في الأقاليم.
أحد مؤسسي جمعية الأدباء بدمنهور, وعضو رابطة الأدب الحديث بالقاهرة, وجمعية المؤلفين والملحنين, واتحاد كتاب مصر, والأمانة العامة لمؤتمر أدباء الأقاليم بمصر.
دواوينه الشعرية : الميلاد وحكايات الخريف 1988 - توقيعات حادة على الناي القديم 1990, من فرسان الشعر العربي (بالاشتراك) 1991 - أغنية بلا وطن 1993 - أحزان الكمان 1999.
أعماله الإبداعية الأخرى : تنوعت بين كتابة القصة والمسرحية والأغنية والنشيد والأوبريت والمقال, ومنها: أنا القاتل (مجموعة قصصية) 1956 - مدرسة الحياة (قصة قصيرة) ويواصل نشر إنتاجه في المجلات السعودية.
مؤلفاته : من فرسان الشعر العربي (بالاشتراك).
حصل على ست وثلاثين جائزة في الشعر, والأغنية, والنشيد, منها جائزة أحسن قصيدة لمسابقة مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للابداع الشعري 1991, وجائزة نادي أبها الأدبي 1995.
عنوانه: دست الأشراف - مركز كوم حمادة - محافظة البحيرة - مصر .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سعيدالعارف الضبع
المراقب العام للمنتدي



عدد المساهمات : 17528
العمر : 37
الموقع : الرياض

مع الشاعر يس الفيل  Empty
مُساهمةموضوع: رد: مع الشاعر يس الفيل    مع الشاعر يس الفيل  Icon_minitimeالسبت يناير 21, 2012 8:20 pm

الــلـــــه أكــــــــبر
الله أكبر .. أطلقها .. لمن صالوا

تيها وكِبْرا .. وعن ركْب الهدى مالُوا

الله أكبر .. عند الكرب .. ما سكنت

أرض, أبت أن يسود الأرض محتال
الله أكبر .. أعلنها .. يُجبْك بها
شعب, على الظلم لم يهدأ له بال
وإنما هو مدّ الخطو .. في زمن

سطا على الابن فيه العم والخال

الله أكبر .. شاء الله .. فاعتدلت

دنيا .. وطاب لها في الأفق ترحال
يا أمة الحب .. صوت الحب .. يوقظكم
في اليوم خمسا.. وصوت الحب فعال
فاستمْرِئوهُ خلاصا, يستقم أمل

في أرضكم لم يزل ترويه أجيال
إن التمسك بالإيمان يحفظكم _

على الطريق .. وإن تمتد أهوال

كم باطل جار, واختلت قوادمه
زالت خطاه .. وأهل الأرض .. ما زالوا

فاستنفروا لنداءات الهدى غدكم

إن الغد الحق .. بالإيمان .. يختال

الله أكبر .. أطلقها على شفة

يمتد منها لركب الغدر زلزال

ذَكِّر بها أمة سادت .. وساد بها

عزم, وساد بهذا العزم أبطال
في يوم (بدر) وفي (الأحزاب) كم دفعت

بالمؤمنين .. وسيف الشرك .. صوال
وفي العبور ضحى .. والمستحيل مدًى

يرتد للصدر, والنابالم سيال

الله أكبر .. دوت .. فانتشت مهج
وخرَّ - حين علت - في الأرض تمثال
هذى عيونك يا موسى .. قد انبجست
يا صوم أفطر, فإن الماء سلسال

الله أكبر .. أطلقها .. فإن لها
عند الشدائد, في الوديان .. إجلال
تِهْ يا بلال لها فخراً, أعد نغما
من ألف عام, ونصف الألف ينهال

أيقظ ضمائر من ماتت ضمائرهم

فربما التحمت للشرق أوصال
هذا زمان امتهان العدل .. يا ملأ
لم ينتصر فيه - رغم الكر - خيّال

الله أكبر .. قد لا يستقيم لنا
حالًٌ .. وفي الأرض لا تخضر آمال

وقد يطول بنا ليل, وتلفحنا

ريح, وتجثم فوق الخطو أثقال
وقد يَصب علينا حقده .. صلفا
في رحلة الذوْد .. معتوه ودجّال

لكن قدرة ربي في ضمائرنا
تحيا . تؤكدها في البذل أفعال
والله أكبر .. لا نخشى سوى يده

حتى وإن عصفت بالأرض أهوال
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سعيدالعارف الضبع
المراقب العام للمنتدي



عدد المساهمات : 17528
العمر : 37
الموقع : الرياض

مع الشاعر يس الفيل  Empty
مُساهمةموضوع: رد: مع الشاعر يس الفيل    مع الشاعر يس الفيل  Icon_minitimeالسبت يناير 21, 2012 8:22 pm

من قصيدة: يقولون .. والنبع لا ينضب

ما قيلَ عنكِ وعني .. كُلهُ خطأُ

إن الأنام على غيظ الهوى نشأوا ..

جريمة الحب .. لا الأيام تغفرها

ولا المحبون منها لحظة برِئوا
يا حسن يوسف , كم أحرقت أفئدة

لم تدر, كيف أوار النار ينطفئ
إن يُرجفوا .. أو يكن قد لجّ باطلهم

في الأرض من حولنا, واستفحل النبأ

فلم نزل .. والأفاعي لا تزال .. هنا

عن العيون, بقلب الجحر تختبئ

لا مريم سلمت في ليل عزلتها
من كيدهم .. وجلال الحق يبتدئ

ولا القلوب أمام المعجزات صحت

على الحقيقة, أو منها استحى ملأ
مشاعر الحقد .. لا تدري .. إذا حملت

على النقاء .. متى .. أو كيف .. تجترئ

أنقتل الحب إبراء لذمتنا ?!
وفوق جثمانه .. في غلظة نطأ?!

ما أبشع القتل .. حتى لو به ارتفعت
أعلامنا .. عن مدى بالإفك يمتلئ

فخلّ عنك .. فمن تسمو عواطفه

ويتقي الله .. لا يعنيه من صبأوا


ما قيل عنك وعني .. فِرية عبرت ..

أحبابنا .. بالغوا فيها .. وما فتئوا

أكل من آمنوا بالحب .. في زمن

لا يعرف الحب .. ضلوا ?! أم به خسئوا?

يا ويلنا من تجنٍّ كاد يسلمنا
إلى جنون, بنا في الأرض ينكفئ

أما كفانا أسًى في البعد نحمله

بين القُلوب لهيباً ? ليس ينطفئ

سهمان .. واخترقانا .. من لنا بيد

تردُّ من أسرفوا .. في اللوم .. واجترؤوا

يا حيرة القلب - والبهتان يحرقنا

من نشتكي ? ولمنْ ? والمبتدا خطأ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سعيدالعارف الضبع
المراقب العام للمنتدي



عدد المساهمات : 17528
العمر : 37
الموقع : الرياض

مع الشاعر يس الفيل  Empty
مُساهمةموضوع: رد: مع الشاعر يس الفيل    مع الشاعر يس الفيل  Icon_minitimeالسبت يناير 21, 2012 8:24 pm

الشعر أنضر الثمار .. أبطؤها نضجا

هي المواهبُ في الأعماقِ تلتهبُ
قبضاً على الجمر تحيا.. أَمرُها عجبُ
آناً.. تُثيركَ منها رغبةٌ جمحتْ
وألف آنٍ.. عن الإدراكِ تحتجبُ
فاصبر على النار.. إن مسّتكَ مبدعةً
لا يُنضِجُ الشعرَ.. إلاّ ذلك اللهبُ
ولا تودع رياض الشدو.. إن بخلَت
عليكَ.. أو هيَ لم تدفع بما يجبُ
إنّ السطوحَ مرايا.. لا قرارَ لها
تُغري، وتخدعُ، من للسطح ينجذبُ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سعيدالعارف الضبع
المراقب العام للمنتدي



عدد المساهمات : 17528
العمر : 37
الموقع : الرياض

مع الشاعر يس الفيل  Empty
مُساهمةموضوع: رد: مع الشاعر يس الفيل    مع الشاعر يس الفيل  Icon_minitimeالسبت يناير 21, 2012 8:25 pm

صمود الجراح

سكن الجرحُ.. فاستبيحي حياتي يا رياحاً تئنّ في الظلماتِ
لستُ أخشاكِ ما حييتُ.. وإني سوف أحيا - كما بدأتُ - حياتي
حين أطبقتِ، واستبحتِ حياتي وانتزعتِ الغطاءَ عن هفواتي
لم أكن أستبينُ أنكِ حولي غابةُ الحزن تقتفي خطواتي
لم أكن أتّقي عواصفَ حقدٍ أبعدتْها يداكِ عن نَظَراتي
لم أكن أتّقي، ولم أكُ أدري أن قَتْلي يجيئني من ذاتي
يا رياحَ المدى عدِمْتُك إن لم تستبيحي الهدوءَ في سَبَحاتي
سكن الجرحُ واستراحت حياتي وبدأتُ الخطى لما هو آتِ
فات ما فات.. فاهدئي، أو تمادَيْ فجراحي، ما أصبحتْ عارياتِ
****
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سعيدالعارف الضبع
المراقب العام للمنتدي



عدد المساهمات : 17528
العمر : 37
الموقع : الرياض

مع الشاعر يس الفيل  Empty
مُساهمةموضوع: رد: مع الشاعر يس الفيل    مع الشاعر يس الفيل  Icon_minitimeالسبت يناير 21, 2012 8:26 pm

صدى .. للنجم .. غادرنا

سِيّانَ.. أو راقَ في أيامنا عَطَبُ
أم أنتشى.. بعد يأس طالَ.. مكتئِبُ
أم ازدهتنا فتوحات.. بنا دفعتْ
على الطريق.. أم ارتدّتْ بنا كُرَبُ
سِيّان تفترش الآمال سرحتَنا
أم يزدرينا.. بليل المحنة.. الدأب
فنحن.. من حفروا في أرضهم نفقاً
بين المعابر.. فيه استوطن الجَرَب
ونحن.. من هادنوا.. والليل مُفترِسٌ
يستلّ أجمل ما نُعطي وما نَهَب
.. يا ضيعةَ العمر.. والأيام تطرحنا
بين المتاهات.. والأقدام تصطخب
إنّا ألفنا التخلّي عن ثوابتنا
لكل غدر على آمالنا يثب
.. الطفل يُوأَد في أحضان والدهِ
ونحن غرقى سلام، فرّ يَنتحب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سعيدالعارف الضبع
المراقب العام للمنتدي



عدد المساهمات : 17528
العمر : 37
الموقع : الرياض

مع الشاعر يس الفيل  Empty
مُساهمةموضوع: رد: مع الشاعر يس الفيل    مع الشاعر يس الفيل  Icon_minitimeالسبت يناير 21, 2012 8:30 pm

"همسات الصدى" هو الديوان السادس للشاعر يس الفيل الذي يمتد عطاؤه لأكثر من أربعة عقود حافلة بالعطاء والإبداع المتطور. تجاوز فيه الشاعر المسافات، وشقَّ طريقه بثبات ووضوح. ورسَّخ أقدامه بوعي واقتدار. لم تأخذه المهاترات، ولم تشغله ايديولجيا الأدب. وكان نتيجة هذا جوائز تقديرية وتشجيعية من مصر وخارجها.

يس الفيل شاعر فطري بأسلوبه ومضامينه. يمد جسور النقاء والحب إليك..تعايشه في قصائده وكأن عالم الطفولة البريئة بينكما. يوطد التواصل مع المتلقي، ولا يتجاهله أو يتهمه بالقصور..إذا عرفنا أن الديوان ضمَّ ثلاثاً وأربعين قصيدة مؤرخة بين عام سبعة وستين وتسعمئة وألف وعام سبعة وتسعين وتسعمئة وألف. وقد صدر عام ألف وتسعمئة وتسعة وتسعين ندرك مدى تجربته الطويلة، وندرك مدى حرصه في الحكم على تجربته. فحرص على وضعها في مجموعة واحدة..وقد غلب الشكل العمودي على هذه القصائد، ولكنه شكل مشع بوهج الأصالة. وعابقٌ بعبير المضامين السامية، وقد أتت لتزيح عن أعيننا غشاوات من اليأس والرضوخ للواقع..وقال"أحمد محمود مبارك" على غلافه:"نحن بصدد ديوان شعري، يدلل به الشاعر على أن الشعر العمودي الأصيل قادر على التعبير الفني السامق عن شتى التجارب الشعورية ومختلف الانفعالات..ما دمنا بصدد شاعر مبدع صادق الموهبة.."

عناوين القصائد تبعث فينا الأمل، وتدعونا للتدبر والتأمل. فأنت في آخر القرن العشرين، والسباق مستمر وبوتيرة عالية تجاه العولمة والحداثة والتحديث، والمقالات المستوردة الجاهزة..في عصر تبدو الشبكات الإعلامية عملاقاً يلتهم كلَّ مَنْ حوله. لدرجة يخشى الإنسان على اسمه ولغته وموروثه. في هذا العصر الحافل بالمقولات والحوارات يطل علينا ديوان مشحون بعبق الروح، ومكتنز بالنقاء والتفاؤل. ترصع قصائده عناوين مشعة وموحية منها:

(إيمان- ضراعة- أمنية- ابتهال- إلهي- إبحار إلى الله- حصاد الإيمان- يا بيت الله- عطاياك يا خالقي أعجزتني- يا رب أنت ملاذي..) ولم تأت بشكل مجاني. وليست استهلاكية بل تقول الكثير، وتبعث في الإنسان حالات من الصفاء والنقاء..تصحبه في رحلة ناصعة لا تشوبها شائبة. قصائد تمدنا بالحب والصدق والثبات. وتحيي فينا الإيمان، وتوقظ العزيمة والأمل..وراء مضامينها إيمان عميق تسلح به الشاعر. وهو مؤمن برسالة الشاعر ودور الشعر والكلمة. هذه الرسالة يحرص عليها الشاعر"يس الفيل" أشد الحرص. وهو أمر جدير بالبحث والإعجاب لأن المُطَّلِعَ على الشعر، وما تقدمه دور النشر يصطدم بالكثير من الشعر الذي لا علاقة له بالروح والنفس والواقع الحافل بالهموم والقضايا المصيرية..يجد شعراً غارقاً بالألغاز والانزياحات غير المنطقية التي لا يفهمها أصحابها. ناهيك عن إهمال ثوابت الشعر وأصوله. فهو القائل عن أهمية الشعر ورسالته: (ص5)

الشعرُ..إن تجدب الأيام يكفيني
الشعرُ من يصطفيه الشعر طاب الهوى

وطاول النجم..حتى لو به انفردت
وما قيمة الحرف..إن يهبط بصاحبه
أنا الذي رقَّ إحساساً وعاطفة




وإن أمت..رغم هذا الموت..يحييني
واستمرأ العزم، رغم الضعف واللين
في رحلة الخلق، آلا ف البراكين
يا ضيعة الشعر..من بالله يبنيني؟
في دورة أدمنت قلب الموازين


هذه مهمة الشاعر ورسالة الشعر ودوره من بعد صاحبه: (ص6)

يا أيها الشعر..حسبي..أن لي أجلاً




وأنَّكَ الذكر بعد الموت تحييني


وهذا دافع لتقديم المضامين السامية التي يحرص عليها الشاعر، ويتمسك بها، ويمضي إليها كما تمضي النحلة وتتنقل بين الأزهار والحقول: (ص9)

هذا نداء وفائي..هل تُبلِّغُهُ
فهل يكون جزائي أن يراق دمي




إليك دنيا أبت إلا معاداتي؟
على الموائد في ليل الخيانات؟


شاعرنا يدرك صعوبة المهمة وهو يسعى لنبل المواقف، ويعي قسوة الأعداء الذين لا يروق لهم الخير والصفاء. ومع هذا يمشي واثقاً بالله. لا تهزه نائبة ولا تقلقه المصائب طالما أنه يرضي الله..: (ص11)

نصبت الشباك وما كنت أدري
ونازلتاني زماناً..ولكن
نقائي..نقاء..لغير الشموخ




سوى أن عينيك أحدقن بي
لأني مع الله..لم أغلب
لغير الترفع، لم يَطْلُبِ


هذه غايته..وهذا ما يبغيه الشاعر.ونعم المبتغى..تقرأ كل لفظة فتكشف ما وراءها من عمق في المعاني، تجعلك ألصق بالشاعر. وكيف لا يكون هذا ؟ وأنت تعي ما تقرأه. وتتفاعل مع مقولاته ومشاعره الفياضة. وتصل إلى المبتغى بعيداً عن التضليل والتهويم والتضخيم..فهناك معجم لغوي مليء بألفاظ الروح والإيمان والتقوى والثواب والتسامح..إنه معجم ثرٌّ ينثر ثماره في صدورنا لتلقطها عقولنا. كما يلتقط الطير الحب، وكما تحضن الأرض الغيث: (ص14)

يا طائر الشوق!إن كان الهوى عبرت
فلنمض نحن على درب الهوى أملاً
ولنرفع الصدق أعلاماً..لعلّ غداً




أيامه لزمان ما به خلق
فيه الوفاء مع الإيمان يتسق
للكره والحقد والإنكار يخترق


هذه الأبيات وأمثالها تدعو للتساؤل التالي: ماذا يبقى من الشعر إذا لم يخاطب أرواحنا؟ وماذا يبقى منه إذا لم يهذب نفوسنا؟. ولن أستطيع التزام الحياد والصمت أقام مقولات تسلخ الشاعر عن بيئته وأبناء جلدته وعن نفسه بحجة الفن للفن أو بموت الكاتب بعد نصِّهِ".

ديوان"همسات الصدى" ينضح بالقيم والمعاني السامية، والمضامين الإنسانية التي توطد العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان. وبين الإنسان وربِّه. في قصيدة "إيمان" يخاطب ذاك الإنسان الذي يحاول إغراءَهُ. وإبعادَهُ عن الله بزرع الشكِّ وانتزاع اليقين.(ص19)

فلست أنت الذي بالشك يحملني
ولست أنت الذي إن شاء يصرفني
فاصرف هواك ودعني..إنني ملأ




إلى رباً لستُ أهواها وتهواني
عن الهدى..في مدى يهفو لخذلاني
من اليقين..وهذا صوت إيماني


هذه النفحات العذبة تذكرنا بشعراء الفترة الإسلامية الأولى الذين تحلوا بالإيمان، واعتزوا به. وجالدوا أنفسهم، وخرجوا منتصرين على ذاتهم قبل انتصارهم على غيرهم وهذه المعركة الأصعب والأجدى.. وهكذا يبقى الشعر سلاحاً فعًالاً يشحذ الهمم، ويشدُّ الأواصر، ويحيي الميت من النفوس. ويتحقق هذا إذا ملك الشاعر حساسية مرهفة، واستحوذ قلباً واعياً، وذهنا صافياً متوقداً، يجعلنا نتعاطف معه ونتأثر به. ونلوذ بآرائه في زمنٍ صعبٍ، يعتري الإنسان فيه الكثير من الأخطاء والملوثات..: (ص21)

ثقة المحب على الطريق يقودني
ورجعت منكفئ الخطى، متسائلاً
أوَ تلك منزلتي؟وتلك أخوتي
قابيل أنت قتلت نفسك عندما




والشوق بي..أبداً إليك يميل
حتام نحيا..قاتل وقتيل؟
ماذا تقول؟! وما عساي أقول؟
أضمرت قتل أخيك..يا قابيل


إنها رؤية جميلة. عندما حمَّل الشاعر المجرم مسؤولية قتل روحه..وفي بعض المواقف تعلو نبرة الشاعر، ويقسو على الآخرين. وهو الذي يترك خيطاً رفيعاً بينه وبين الآخرين. ولا يريد قطعه، ولكنه يقدم صفحة عذابه ومعاناته وخيبته أمام أخيه الإنسان: (ص25)

إن الذي ظلم الصديق أخوته
يا أخوة الجب ما قتلي بمنقصة
القتل أشرف من دنيا ملوثة
لكنه الحقد أعماكم وأخرسكم




ورغم ظلمهمو عادوا ليفتاتوا
فربَّ قتل به تزجى التحيات
ومن حياة بها أنتم نفايات
أين الحقيقة؟ ردي يا خيانات..


وظف الشاعر قصة سيدنا يوسف على واقع الحال، وما فيه من غدر، ومن قبل ذلك تعرض لقصة قابيل.. وفي الأبيات السابقة أبعاد قريبة وإلماحات بعيدة لا يصعب فكُّها على قارئ.

والشاعر كائن بشري له مالغيره..ويعتريه ما يعتري الآخرين. فتمر عليه حالات تقف في وجه إبداعه، وربما تقف عائقاً أمامه. فيسعى لتجاوزها بدافع الحب للحياة، والإيمان بالمقسوم. ووراء كل هذا عقل راجح يدرك طبيعة الأشياء ويُلِمُّ بناموس الكون: (ص 38)

تسائلني زوجتي في ألم:
لماذا تغرد عبر الضياع
أجبت: لأني أحب الحياة
فللشمس أشدو..إذا لوحت
وتسأل:هذا الغناء بماذا
أيمنحنا وجبة من غذاءٍ




لماذا تغني..برغم العدم؟
وحولك موتٌ يعاف النغم؟
ولو أن فيها يلوح السّأمْ
يداها..وللنور بين الظلم
علينا يعود؟! أيطعم فمْ..؟
أفي السوق سوق لهذا اللممْ


إن القصيدة بنيت على الحوار وعلى المفارقة وتجسيدها. ورسمت واقع الشاعر الذي يصارع على جبهة الحلم الجميل والمستقبل المنتظر جبهة الحياة الراهنة.. ويشتد الصراع الدائر بينه وبين الواقع. بين الجمال والقبح وبين ما يكون وما يجب أن يكون. وهذا الصراع الأبدي وقود الإبداع ومحركه: (ص40)

تريدين أن تصنعي شاعراً
يصور غير الذي قد يراه
إذاً فاسمعي..يا أساي الوحيد
جمالك هذا بغير النقاء




يُغنْي لهذا الجمال القبيح؟
وأنى أردت، يطيل المديح؟
فما أنا..والله..إلا الصريح
بغير الذكاء جمال كسيح


أرى أن الشاعر "يس الفيل" موفق في التقاط الحالات النفسية المثيرة للجدل، والتي تستدعي التوقف عندها رأياً وشرحاً. وقد يقول قائل:إنها موضوعات وحالات مطروقة ومتداولة. وهذا وارد وصحيح. ولكن تناولها من شاعر في عصر ما وفي مكان ما لا يعني حرمتها عن الآخرين. وهذا حاله وهو يتحدث عن مآسي الصداقة، وعن ذاك الرباط المقدس الذي يؤول للضياع: (ص46)

يا ضيعة الحب كيف اختل زورقه؟
إن الصداقة صدق والوفاء شذى
وأصدقائي بنصل الحب تذبحني
وكنت أعتصر الوجدان ترضية




وكيف يصمد؟! والغرقى به غدروا
للأصدقاء بنهر الحب ينهمر
وهم بذبحي مدى الأيام ما شعروا
لمن على الشوك منهم بات يستعر


يتغلغل الحزن في حنايا قصائده وهو حزن شفيف. وهذا الحزن أخذ يشكل ظاهرة تستدعي التوقف عندها ودراستها. فما أكثر الدواوين التي تبوح بالأسى والحزن والخيبة! فالخيبات ترمي ثقلها، وتصفعه ولا يستطيع الصمت. إنه تحَّملَ الكثير وواسى نفسه. فلا ملجأ له إلا التسلح بالإباء والعنفوان والشموخ كردَّة فعل مشروع على الواقع الذي يراه الشاعر أسود…في قصيدة"نقوش على حبة القلب" يقول: (ص50)

بمن أزدهي؟ ولمن اكتب؟
عطاءٌ هو الحب..يا من تحب
أنا أنت يا أيها العنفوان
وليتك تعلم أنك ذاتي




وأنت الذي بالهوى تلعب
فأين العطاء لمن يطلب؟
وإن يكذبوا..نحن لا نكذب
وإن لم تكن..فلمن أكتب؟


هذا حال الشاعر مع الناس، ولكن حاله مع ربه فيه التضرع والضعف والرجاء. فالله طريقه إلى الخلود والجنة. والتضرع إلى الله هو سياج للنفس المنهكة المعذبة: (ص53)

أشكو إلى الله..أنى كنت آلامي
وأستعين به.إن زل لي قدم
وأستعيد به ذاتي إذا انكفأت




وأستجير به من قهر أيامي
أو انحرفت بها عن درب إسلامي
على الطريق وضلت خلف أوهامي


وبمن يلوذ الإنسان إذا أحيط بالأوهام، وسورته الهموم..وانفض من حوله الناس..؟ إن شاعرنا بإحساسه العميق وإيمانه الراسخ يجد أن الله قوي. ويجد الملك زائلاً وما يبقى غير وجه الله..وكأنه يعالج نفسه المتعبة ويذكر الآخرين المتربصين بالأرض: (ص57)

رحماك يا ربي إذا انحرفت يدي
أنا مؤمن بك في البداية، مؤمن
لكنما ألمي يؤرّق مضجعي
من كان يصعد للذرا..حبطت به
أتراه لو رفع الأساس على التقى
والكل يفنى ما هناك مُخلِّدٌ




أو حال بي قدمي، وضَلَّ مسار
بك في النهاية، أنك الغفار
لِمُضَلِّلين، على الحقيقة جاروا
قدمٌ وأوغل في حماه دمار
كان البناء بأرضه ينهار
إلاّه ربي واحدٌ قهارُ


إننا بصحبة إنسان متنور ومعتبر. يقرأ الواقع والحاضر. ويسكب إيمانه درساً وعظةً لمن يعتبر. وهذه الحالات تكثر في القصائد، ويلتحم الشاعر بها التحاماً روحياً عميقاً نراه قريباً من أجواء الصوفية بنقائها وتعاملها مع الذات الإلهية. فالإيمان يطفح ويفيض سلسبيلاً من القصائد. ويطل علينا مشعاً متوهجاً في كل قصيدة وبيت: (ص60)

إلهي قد اتيتك مستجيراً
دموعي في ظلام الليل تهمي
فإن أغضيت وجهك عن مسيء
أتيتك تائباً، فاقبل متابي




وهل مثلي بغيرك يستجير؟
وأعماقي يمور بها سعير
فمن يا رب يرحم أو يجير؟
وألهمني الهدى أنى أسير


ما أحوجنا إلى هذه اللحظات .!وما أسعدنا لو توجهنا بقلبٍ صادق مفعم بالإيمان! فالحياة تبنى على الزرع والحب، والإيمان مدرسة عظيمة الأثر وأرض خصبةٌ تعطي خير المحاصيل وأطيبها: (ص61)

هو الحب للإسلام، لا حبَّ غيره
هو المرفأ المنشود يُخْضِرُ زرعنا




يعيد إلى الدنيا سلاماً تهددا
ويطرح في شطيه عزماً وسؤددا


إن الإيمان يزرع فينا بذرة الخير، فيعلمنا التسامح، ويعطينا الأمل، ويفتح قلوبنا للنقاء والبعد عن الحق والأذى: (ص63)

وعشت أغفر للجاني جنايته
وكنت في كل ما يأتي به زمني
ألقيت حملي على الرحمن فانفرجت
فلينطلق في بحار النور زورقنا




وأطلب الصفح ممن ليس يزدجر
بالحب أحيا، وبالإيمان أنتصر
نفسي، لما قد يوافيني به القدر
فإنما المد فيها ليس ينحسر


هذه معطيات ونتائج مدرسة الإيمان التي تلقن الشاعر دروسها، وأحسن صياغتها والعمل بها. فكان الزرع خيراً، وصار الحصاد حُبَّاً وثقةً..ومن الطبيعي أن يكون الحصاد ألماً وعذاباً وضياعاً لفردٍ أو أمةٍ خرجت عن مبادئ هذه المدرسة، وجرت وراء شهواتها فتحكم بها الشيطان: (ص67)

سبحانك الله. إنا أمة ورثت
ولو أقامت حدود الله، لا امتلكت
ولا عوى الذئب يوماً في مرابضها




ما لو أفاءت به للمنتهى تصلُ
هذا المدى، وارتمت في حضنها دولُ
وفي مشاتلها ما استنوق الجملُ


إنها وصفة طبيب، ولقطة متابع، يتعايش مع اللحظة والحالة بكل مشاعره، فلا تُسيِّره وتهيمن عليه عواطفه فينسى الواقع. وهذه نقطة مضيئة في الديوان. وتعكس رؤية الشاعر المتسلح بزاد وافر من التجارب. ولذلك نراه يقر بفضل الله وإعجازه: (ص72)

أتحصى ثناء على من أفاء
ومن أودع الرأس فيك ابتداء
ومن قال للعين كوني فكانت




عليك بما لا تعي من كمال
عوالم..تجتاز حد المحال
سراجاً يجسد معنى الجمال


وقدم الشاعر"يس الفيل" حالات من التصوف. فحفل ديوانه بعبارات الاستغفار وطلب العفو والخوف والسعي إلى إرضاء الله: (ص75)

واخاف إن لم أحظ منك بنظرة
لك ما تريد..وما لغيرك أن يرى




أن لا أذوق سوى اللظى يتلهَّب
هذا الذي في القلب لا يتطبَّب


وهل يجد المؤمن طريقاً سليماً مزهراً يوصله إلى مرضاة الله؟ بالتأكيد يدرك هذا الطريق ولذة المسير فيه وهو محاط بالإيمان الذي يشحنه ويدفعه للعمل فالعطاء: (ص81)

طريق الخلاص طريقٌ يطولُ
وبالحب والصدق والإلتجاء
طريق الخلاص، طريق الإله




ويمتد بالحب فيه الحوار
لرب السماء يُقُّر القرار
فمدي به الخطو للإنتصار


الجولة في الديوان ممتعة ومنعشة للروح. والسباحة في أعماق القصائد غنية ومثمرة. وهي قصائد تشف عن نفس شاعرية نقية، تبتعد كثيراً عن التهويم، والسعي إلى القطيعة مع القارئ الذي أخذ يرتد عن الكتاب. شاعرنا مدّ جسوراً مع ثوابت اللغة والشعر باستثناء حالات نحوية وإعرابية لا تخفى عليه" حالات جزم المعتل الآخر مع الشرط الجازم" ومدَّ الشاعر جسوراً مع المتلقي. خاطبه بودٍ. ومسك يده بلطفٍ، ودلهُ ببراعةٍ. وأهمُّ من هذا مدُّ الجسور مع الله والإنسان أينما كان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سعيدالعارف الضبع
المراقب العام للمنتدي



عدد المساهمات : 17528
العمر : 37
الموقع : الرياض

مع الشاعر يس الفيل  Empty
مُساهمةموضوع: رد: مع الشاعر يس الفيل    مع الشاعر يس الفيل  Icon_minitimeالسبت يناير 21, 2012 8:32 pm

هذا الشاعر المصرى الذى رأت عيناه النور من ثلاثة أرباع قرن. ينسف بشعره مقولة نقدية روّجها، وراجت عند كثير من النقاد السطحيين المسطِّحين، وهى أن الشعر «تذبل جذوته بتقدم سنّ الشاعر، ويهرم كما يهرم صاحبه». اعتقادًا منهم أن التطور ذبول، وأن الانفتاح على جديد التجارب، والمعارف والمنازع والطوابع الحية من قبيل التخلى عن اعتقاد سديد عميق، واعتناق قوى أصيل مجيد.
وما هكذا يكون النقد الحصيف، الذى يجب أن يبدأ بالنظر إلى «أصل شاعرية الشاعر نبعًا ومُستقى».. ويتساءل: هل بدأ هذا الأصل - أو هذا المعين - فى النفاد، أو ضعف العطاء، أو تعكر المطروح الفنى، وغثاثة جمالياته؟ ثم يتابع الناقد الإبداع فى انطلاقه، ومسيرته، ومراحله - مواصلة وتوقعًا - وما يتميز به ويتفرد.
وبالنظر المستبطن لشاعرنا «يس الفيل»، نقول - باطمئنان دون مجاملة -: إن مَعين شاعريته ما زال ريان غنيًا، وأن مسيرة شعره ما زالت قوية قويمة، حتى ليصعب على المتلقى نسبة كل عمل إبداعى إلى مرحلة إنشائه - شبابًا، وهرمًا، وشيخوخة - لولا ارتباطه بحدث، أو مناسبة، أو تذييله بتاريخ الإنشاء صريحًا.
نقدم فيما يأتى قليلاً من القطوف التى تقودنا إلى صحة هذه الرؤية، وصدقية هذا الحكم.
ففى قصيدته «الريح والمرفأ الجريح» - وقد نظمها من اثنين وأربعين عامًا على إثر توقيع اتفاق «غزة - أريحا» بين إسرائيل ومنظمة التحرير بنيويورك فى 13/ 9/ 1963م، يقول فى ختامها:
لا تفتحى نوافذ الكتابْ
فإنها تقودُ للصعاب
يا هذه الرحابْ
أنت التى أدركتِ
كيف قاومتْ «دليلة»
وأسلمت «شمشون» للحراب
لا ترجعى إلى الوراء... أبدًا...
لا تنبشى فى ليلك القبورْ
لا تنكئى جراح من تخلفوا
لا تنسفى بقية الجسور
كتابُكِ الجديد لم يزل
مشاعرًا بيضاء
تشتاقُ للحروف
فلتبدئى... بألفٍ وباء
بمنطق لا يعرف الغباء
فى رحلة:
إما إلى الوجود تنتمى
أو تنتمى.. لعالِم الفناء
وبعد القصيدة السابقة بعشر سنين كانت قصيدته «العبور» سنة 1973م بمناسبة عبور الجيش المصرى قناة السويس، والنصر الذى حققه على الصهاينة فى سيناء، وفيها يقول:
عبرنا..
وكان العبورُ المثالا
وكان المحالا
إلى شاطئ المستحيل انطلقنا
بعزم - على الثأر - فاق الخيالا...
وكبرت الأرض
حين اخترقنا إليها السدود
وقالت: سلمتمْ...
سلمتم رجالاً
فلا تتركوا غدكم للظنون
وختم قصيدته بقوله:
فهبوا من النوم...
ضموا الصفوف
ومدوا خطاكم
ولا تتركوا للأمانى مجالاً...
فكم من أمانٍ
وأنتم شتاتٌ
- مدى العمر -
جرّت عليكم وبالاً.
* * *
وفى أواخر سنة 2000 ينظم الشاعر قصيدة قصيرة على لسان الطفل الشهيد «محمد الدرة» بعنوان «مقتول يشكر قاتله». وأنا أنقلها هنا كاملة:
أيها القاتلُ:
شكرًا...
من قتيل
أنت لم تقهر عنادهْ...
.. أو تدرى كيف...
يا رمز البلادة؟
حينما استهدفتنى صيدًا
به تختالُ
فى حرب الإبادة
أنت لم تقْتلْ
- وإن أسرفتَ -
بعضًا من إرادة
إنما أنتَ
بهذا الغدرِ
قد ألبستنى
ثوب الشهادة
* * *
إنها قصائد ثلاث نظمها الشاعر على مدى أربعين عامًا، وكلها ذات مستوى فنى ناضج واحد، حتى ليصبح إحلال الواحدة محل الأخرى، دون شعور بفارق زمنى مهما كان بعيدًا. وهذا يذكرنى بنظرة عباس العقاد إلى شعر ابن الرومى، إذ كان يرى أنه كله من طبعة واحدة. وذو مستوى فنى واحد، يستوى فى ذلك قصائده التى نظمها فى العشرين، وقصائده التى نظمها فى الستين، ويعلل ذلك بأن ابن الرومى كان ينسج من غزل واحد، وبضاعة واحدة، وهى الشعور الجديد، أو شعور الطفولة الفنية التى لازمته فى حياته من المبدأ إلى النهاية، فلم يتغير فيه إلا القليل بعدما درس نصيبه من اللغة والعلم. واستوفى مادته من الفن والصياغة. وكأنه الشجرة التى نضجت مبكرة، وبلغت تمامها، ورسخت فى تربتها، فثمرتها اليوم كثمرتها بعد سنوات عشر، أو بعد عشرين وثلاثين (العقاد: ابن الرومى حياته من شعره ص 334 «ط. 1950م»).
وفى شعرنا الحديث شاعر آخر على هذه الشاكلة، وهو محمود حسن إسماعيل، الذى كان د. مندور يلقبه «وحش الشعر»، بل إننا نرى أن بين الشاعرين محمود حسن ويس الفيل «ملامح شبهية» متعددة فى غير قليل من الطوابع الفنية والفكرية، ومنهج التناول والمعالجة الشعرية، مما لا يتسع له المقام.
تتعدد موضوعات يس الفيل فى «فلسطينياته» ما بين شعر حرّ، وشعر خليلى (شعر الشطرين)، ومن شعره قصائده فى المسجد الأقصى، وسيناء، والعبور، والأطفال والحجارة، ومحمد الدرة، والشيخ أحمد ياسين، ومذبحة المسجد الخليلى، وقصائد أخرى ذات عناوين قوية الإيحاء مثل «طرقات على الجليد»، و«عربى»، و«ثورة الأبرياء»، و«انتصار الإيمان»، و«خيوط العنكبوت»، و«فدائية»، و«اختراق»، و«البيت»، و«لأجلك دائمًا أصلى».
وشاعرنا فى كل فلسطينياته شاعر «جاد» لا يعرف العبثية أو اللين، وأدق من ذلك أن نقول: «إنه شاعر جاد وحاد»... يعالج موضوعاته بجدية من ناحية، وبحدة من ناحية أخرى، وحدته هى حدة السيف الحاسم الواثق، لا حدة العصابى الناقم، ومن ثم نراه لا يهتم بالتفصيلات التوصيفية التى تقدم للمتلقى لوحات شعرية جمالية متكاملة العناصر، إنما تأتى معالجاته الفنية منطلقة من قيم إنسانية ونفسية يحرص أن يذيبها عصارة حية فى أوصال القصيدة وأعطافها:
وأول هذه المنطلقات أو الركائز: الإيمان بالله والنفس والقيم الإنسانية العليا. ومن كلماته فى قصيدته «انتصار الإيمان»:
ويا ألله
أنا أحتلّ فى الميدان
أول خندق
قد يستعيد بقيتى
ويشدنى من غفلتى
لأعودَ للإيمان
يزرعنى صمودًا
يسترد المرفأ الحانى
ولكنى...
إذا قاومتُ ضعفى وانتصرتُ
بما تيسر لى...
أقمتُ عماد بنيانى
على ثقتى وإيمانى
وحسبى أن أعيش العمرَ
يا ألله...
منتصرًا... بإيمانى.
والمنطلق الثانى هو إيمان الشاعر «بالعروبة».. العروبة التى توحد القلوب والصفوف والجموع... فى الآلام والآمال... فى واقع المرارة والانكسار... واستشراف التغلب والانتصار.. العروبة التى تنهلُ وتعلّ من مَعين الإسلام وهدى النبوة الخاتمة. ومن روائع الشاعر التى تبين عن هذه المعانى قصيدة له بعنوان «عربى».
ومناسبة القصيدة كما ذكر الشاعر «أثناء مناقشة بيان 30 من مارس بنادى المعلمين بدمنهور يوم الأحد 14/ 4/ 1968م، وقف الزميل الفلسطينى عبد الرحمن خاطر يبدى رأيه فى برنامج 30 من مارس بحدة، وهنا سأله محافظ البحيرة وجيه أباظة: من أنت؟ وكان رد الزميل «أنا عربى»، وهنا انطلقت هذه القصيدة».
ومنها نقتطف الأبيات الآتية:
من أنت؟ قلتُ: أنا يا إخوتى عربى
نأيتُ عن كلِّ من أهوى بلا سبب
لا تعتبوا يا رفاقى إن لجأت إلى
دارى هنا؛ فكلانا فى الأسى عربى
ألست منكم؟ ألسنا أمة سلكتْ
طريق طه، وطه للجميع نبى؟
ما كنت وحدى، ولا كنتم بمفردكم
يومًا، وما كان مصرى ولا حلبى
كانت عروبتنا حصنًا نلوذ به
ولم تزل بيننا أقوى من العصب
فجددوا عزمكم إن الحياة لنا
رغم التبجح، رغم الزيف والكذبِ
فما لصهيونَ حقٌّ يستبيح به
أرضى وأرضَك من عكا إلى النَّقَب
* * *
والمنطلق الثالث، أو الآلية النفسية الثالثة التى يواجه بها الشاعر الصهاينة المعتدين هى العزيمة الجادة المتوهجة التى لا يشوبها تردد، أو ضعف ووهن أو تفريط، ولا ينال منها غشم الأعداء وظلمهم ووحشيتهم، وتفوقهم فى العدة والسلاح. ومن ثم لا يؤمن الشاعر بالوسطية فى المعايشة، فالموت ولا حياة الذل والهوان على حد قول الشاعر العربى:
فإما حياة تملأ الأرض عزةً وإما مماتٌ يترك الطير ناعيا
ويقول يسن الفيل:
قـد يحكمون قيودى
ويـرقـصون بحقد
قـد يحرقون شموعًا
لـكـنهم لن ينالوا..
ولو على النار ألقى
فسوف أحمل فجرى
وأسـتـعـيد وجودًا
وإنـمـا أنـا أحيا
أخطو برغم احتراقى
أخـطـو بألف تحدٍ








ويـطمسون وجودى
عـلى رفات خلودى
تذوب خلف السدود
بعزمهم من صمودى
مـكـبلاً فى قيودى
عـلى رعود الرعود
يـلوح خلف الحدود
بـكـبـريـاء عنيد
إلـى صـباح جديد
لـكـل قـيـد بليد
إنها عزيمة ماضية فى تحدّ عملى لا يتوقف، هادفة إلى تحرير الأقصى، وأرض فلسطين، وهى مهمة أصحاب هذه الأرض المغتصبة شيبًا وشبانًا... رجالاً ونساء، وقد رأينا - وما زلنا نرى - الدور البطولى الذى يؤديه الأطفال بانتفاضتهم الحجرية التى أذلوا بها الصهاينة، إنها عزيمة الإصرار، وإرادة الصمود. فلا عجب أن يخاطب شاعرنا هذا الطفل الفلسطينى المعجزة بقوله:
فيا ولدى
وهذى الأرضُ
رغم القهر
لم تجنح إلى الإذعانْ
حجارتك التى اندلعتْ
صمودك فى مواجهة اللظى
إصرارك المسنون فى درب الخلاص
غدًا سيكتب فوق هذى الأرض
أن إرادة الإنسان
- مهما كان عنف الليل -
فوق ضراوة الطوفان
وأن النصر
- مهما كان عنف الليل -
أن النصر للإنسان
* * *
وانطلاقًا من هذه العزيمة القوية الحادة يوجه الشاعر سهامه إلى اليهود، ويشير إلى حقيقة تاريخية مؤسفة. وهى أنهم ضالعون فى الإجرام والعدوان من قديم، فيقول عنهم:
عجبت يا رب من قوم أضلهمو
عن الهداية أحبارٌ وتلمودُ
توراة موسى عصوْها ظالمين. فلا
رب لديهم سوى الإيذاء معبود
لم يسلم البيض من إيذائهم أبدًا
فى كل عصر كما لم يسلم السود
ثم ينطلق الشاعر من هذا الماضى الإجرامى إلى إبراز جرائمهم العدوانية فى الحاضر من قتْل وسلب وتخريب، وكل أولئك ما هو إلا انعكاس لطبيعتهم العدوانية التى اشتهروا بها من قديم الزمن.
والشاعر يفضح اليهود - فى بعض الأحيان بأسلوب ساخر مرّ كما نرى فى قوله:
غدى ويومى وأمسى
ولـم تـلدنى سفاحًا
مـا بـعتهم ليهودى
«راشيل» بين الجنود
* * *
ونرى الشاعر يوجه سهام الإدانة والتجريم إلى اليهود غالبًا، وقلّ - بل ندر - أن يوجهها إلى القادة والكبار العرب كفعل أغلب الشعراء. وربما كان مسلكه هذا أملاً، أو طمعًا فى أن يعدل هؤلاء مسارهم، ويثوبوا إلى ولائهم للوطن والقضية، أو حرصًا من الشاعر على التفرد، وإثبات الذات بمخالفة المعهود الدارج الذى لا تكاد تخلو منه قصيدة من قصائد الشعراء عن فلسطين.
* * *
ومخالفة للدارج المعهود كذلك - وهو مظهر من مظاهر «عزيمة التحدى» - نرى الشاعر - فى مواجهة المآسى الدامية الفاجعة - لا يجنح إلى ذرف الدموع، واستثارة الأحزان، ولكنه يجد فيها شحذًا للهمم، وتجديدًا للعزائم، وتجذيرًا لإرادة الثبات، ومواصلة النضال.
رأينا هذه المعانى فى حديثه عن أبى الشهداء أحمد ياسين، والشهيد الطفل محمد الدرة، ومذبحة المسجد الخليلى على يد مجرم من تلاميذ الدموى العنصرى «كاهانا»، فهو لم يبك ضحايا هذه المذبحة، ليستدر الدموع، ويثير الأحزان، كما نهج غيره من الشعراء فى التعامل مع هذه المذبحة اللعينة الغادرة، ولكنه بنبر قوى صاخّ يثير فى نفوس العرب قوة التحدى والتصدى والغضب والنقمة، فيقول من أبيات قصيدته:
أواه يا زمن الأوغاد كيفَ لنا
أن نستقيم، وفينا استحكم الصدأُ؟
وكيف تجرى دمانا فى مساجدنا
وكيف يمتهنُ الإيمانَ من صبأُوا؟
وكيف يسخر منا من بلا وطن
فى التيه عاشوا ضياعًا، منه ما برئوا؟
يا لعنة الغضب المكبوت لا تَدَعى
فى الأرض منحًى؛ فإن العدل ينكفئ
ويا هوان المدى ما زال أبرهة
يغزو حمانا، وفى دعواه يجترئ
* * *
ومن أهم السمات الموضوعية الفارقة التى لا يخطئها النظر فى فلسطينيات الشاعر أنه لا يشغله مناسبة الإبداع والجوانب التاريخية، وتفصيلات الواقع، ولكن همه الأكبر فى القصيدة موجه إلى أمرين:
الأول هو البعد النفسى للمعروض الموضوعى: شخصيةً، أو حدثًا، أو واقعًا تاريخيًا.
والثانى: الدلالات الإنسانية التى يعكسها هذا المعْطى المعروض.
* * *
وشعر يس الفيل لا يعطيك مفتاحه بسهولة ومباشرية، إنما هو - كما جاء فى موشح المرزبانى فى صفات الشعر الجيد القيم - يحتاج من القارئ إلى كدّ الذهن، وإعمال النظر بالتأمل»؛ لذلك يحيط بشعره نوع من العَبَق الغامض، مما يقربه فى بعض الأحيان من الشعر الرمزى.
وله قصيدة رمزية خالصة أعتبرها من أرقى ما قرأت من الشعر فكرًا، وتصويرًا وتعبيرًا، وهى ذات ملامح جديدة رائعة، وعنوان القصيدة «اختراق» أقدمها للقارئ بنصها؛ لأن الحذف منها يخل بها، ويسيء إلى جوها ودلالاتها:
ما أيسر أن
أمشى بجنازةِ قبَّرةٍ
لا أرثيها
أبكيها.. أو لا أبكيها
لكنى.. حين أناجيها
وأقضّ مضاجع قاتلها
فأنا بالهمة أحْييها
وأعيد إلى العش المقرور
بقايا دفء
مال به صمت الأكفان
ثرثرتى عنها،
دمدمتى،
توقظها،
منى تدْنيها
تتحرك بين الأغصان
وتعود لمن ألِفَ النجوى
طيرًا.. أبديًا
فوق العش يحلق
مخترقا
صمت الجدران
ليغنى...
أغنية ثكْلى
تجتاز فَنَاء الإنسان.
ولا أريد أن أتدخل بالتفسير والتوضيح؛ فإن هذا قد يفسد على المتلقى الجو الذى عاشه، والأبعاد التى أدركها. وخلُص إليها. ولكنى أشير إشارة مجملة إلى أن الرمز هنا أوسع بكثير من أن يطرح مُعطى واحدًا، فمعطياته متعددة منها التاريخى، ومنها السياسى، ومنها النفسى الخاص، وكل أولئك مغلف بطابع إنسانى دفاق.
* * *
إن الشاعر يس الفيل واحد من عظماء الشعراء فى عصرنا هذا. والمجال لا يتسع إلا لهذه الكليمات القليلة. وهنا أنبه القارئ إلى أمرين:
الأول: أن حديثى كان محصورًا فى فلسطينياته.
والثانى: أن اهتمامى كالعادة كان موجهًا إلى الجوانب والامتدادات الموضوعية والفكرية؛ لأن الدراسة الفنية لا تتسع لها مثل هذه المساحة الضيقة.
وفق الله شاعرنا العظيم، ومدَّ فى عمره، ونفع به.
إنه نعم المولى ونعم النصير.
الشاعر:
- ولد سنة 1929م بدست الأشراف بمحافظة البحيرة - مصر.
- حصل على الشهادة الابتدائية، ولم يكمل تعليمه الثانوى.
- وحصل على شهادة صلاحية التدريس سنة 1956م.
- آخر وظائفه: وكيل العلاقات العامة بالتربية والتعليم بالبحيرة.
- حصل على عشرات من الجوائز فى شتى الأجناس الأدبية.
- له بعض المجموعات القصصية. وعدد كبير من الدواوين منها: الميلاد، وحكايات الخريف - همسات الصدى - أحزان الكمان - الأمل وأحلام النورس - الزحف على حد المستحيل - صخب الأقنعة - الإبحار على سفن اليقين - للعصافير أغنى.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مع الشاعر يس الفيل
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مع الشاعر امين حداد
» الشاعر على سلامة
» المعنى فى بطن الشاعر
» الشاعر /محمد ابراهيم ابو سنة
» مع الشاعر نائل الحريرى

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: منتدى الادب والفنون واقلام الاعضاء :: الشعر العربي والزجل-
انتقل الى: