يحكي أن أبا جعفر المنصور حج
ذات عام, وبينما هو يطوف بالبيت ليلا سمع من يقول: (اللهم إنا نشكو
اليك ظهور البغي والفساد في الارض, وما يحول بين الحق وأهله من الطمع).
فجلس في المسجد وارسل إلي الرجل وسأله: ما الذي سمعتك تذكر؟ فقال الرجل,
بعد أخذ عهد الامان أيها الامير ان الله استرعاك أمر عباده وأموالهم, فجعلت
بينك وبينهم حجابا من الجص والآجر, وأبوابا من الحديد, وحراسا معهم سلاح
ثم سجنت نفسك منهم, وبعثت عمالك في جباية الاموال وجمعها, وأمرت الا يدخل
عليك من الناس إلا فلان وفلان, ولم تأمر بايصال الملهوف والمظلوم اليك, ولا
أحد إلا وله في هذا المال حق, فلما رآك النفر الذين استخلصتهم لنفسك,
وآثرتهم علي رعيتك, وأمرت بألا يحجبوا دونك تجبي الاموال وتجمعها قالوا:
هذا خان الله فما لنا لانخونه, فاتمروا بألا يصل اليك من علم أخبار الناس
إلا ما أحبوه ولايخرج لك عامل شريف ألا خونوه عندك وعابوه حتي تسقط منزلته
عندك فلما انتشر ذلك عنك وعنهم, أعظمهم الناس وهابوهم, وصانعوهم ليصلوا إلي
ظلم من دونهم, وكان اول من صانعهم عمالك ووزراؤك بالهدايا والاموال ليبقوا
بذلك عمالك ويقووا علي ظلم رعيتك, ثم فعل ذلك ذوو المقدرة والاموال من
رعيتك ليصلوا إلي ظلم من دونهم, فامتلأت البلاد بغيا وفسادا وصار هؤلاء
القوم شركاءك وأنت غافل, فإن جاء متظلم حيل بينك وبينه, فإذا جهد وخرج وظهر
لك وصرخ بين يديك فضرب ضربا مبرحا يكون نكالا لغيره, وأنت تنظر فلا تنكر!
فبكي المنصور بكاء شديدا, وقال ويحك وكيف أحتال لنفسي؟ قال الرجل: يا أمير
المؤمنين, ان للناس أعلاما يفزعون اليهم في دينهم, ويرضون بهم في دنياهم
وهم العلماء وأهل الحكمة فاجعلهم بطانتك يرشدوك وشاورهم يشدوك فقال قد بعثت
اليهم فهربوا مني فقال خافوا ان تحملهم علي طريقتك ولكن افتح بابك وسهل
حجابك, وانصر المظلوم, واقمع الظالم وخذ الفيء والصدقات علي وجوهها, وأنا
ضامن عنهم أنهم سيأتونك ويساعدونك علي صلاح الامة, ثم حان موعد الصلاة فقام
المنصور يصلي وعاد إلي مجلسه ثم طلب الرجل فلم يجده؟ وعلي فكرة الرئيس
السابق حج سبع مرات وسجن من قال له ذات مرة: اتق الله في مصر واعدل أما ابو
جعفر فقد بكي وقال أفعل ان شاء الله فمن يحبه الله يوفقه للتوبة, فهل
ياتري سيستيقظ ضمير كل من جلس علي كرسي في النظام البائد وتربح منه مالا
حراما فيتوب إلي الله ويتذكر ساعة ان يلقاه فيسأله عن ماله من أين أكتسبه
وفيما أنفقه, يوم لاينفع مال ولابنون إلا من أتي الله بقلب سليم.. وهل آن
الاوان ان نري يوما يبكي فيه حاكم اذا ذكرناه بأخطائه ويرد للشعب أمواله
التي سرقها عماله؟؟
منقوووووووووووووول
.............