الشرطة‏..‏ واللحية‏..‏ والفتاوي

جاهدة لكي تحرمنا من كل فرصة تسنح لالتقاط الأنفاس ـ وكلامي هذا بمناسبة
ما تردد أخيرا من أن بعض أفراد معدودين من العاملين بالشرطة يحاولون بإصرار
إنماء لحاهم, ويعلنون أن هذا الأمر يختص بالحرية الشخصية ـ واستفحل الخلاف
بينهم وبين وزارة الداخلية حتي إن بعض القيادات الدينية أدلت بدلوها في
هذا الموضوع وكان رأيها أنه يجب علي رجال الشرطة الالتزام بالقواعد العامة
التي يحددها جهاز الشرطة, خصوصا أن موضوع اللحية تختلف فيه الآراء.. ومع كل
التقدير والاحترام لهذه القيادات الدينية وللرأي الذي أعلنوه والذي لا
يخرج عن الحق ـ إلا أن اللجوء إلي هذه الفتوي أو هذا الرأي وتوظيفه لمساندة
وزارة الداخلية في موقفها.. هو الأمر الخطأ وغير المقبول بأي حال ـ إذ إن
وزارة الداخلية هي أحد الكيانات الرئيسية بالدولة وهي وحدها لها الحق في
تحديد لوائحها وقوانينها التي تطبقها علي كل العاملين بها ـ وللمشرفين علي
هذه الهيئة أن يعاقبوا ويجازوا أيا من العاملين إن أخل بتلك اللوائح, كما
أن لهم أن يطردوا ذلك المخالف إذا أصر علي الاستمرار في المخالفة.. وهذا
بالطبع أمر مفروغ منه.
إن من شروط هيئة الشرطة مثلا ألا يقل طول العاملين بها عن 170 سم, وألا
يزيد وزنه علي 70 كجم وأن تكون ملابسه باللون الذي تحدده الهيئة, ويكون
غطاء الرأس بالفورمة التي تحددها ـ كذلك فإن من لا يهتم بتلميع الأزرار
النحاسية للملابس ـ أو لا يهتم بهندمة ملابسه أو من يقف وإحدي ركبتيه
مرتخية يوقع عليه العقاب والجزاءات.. ومن تتكرر منه الأخطاء يضاعف عليه
العقاب حسب النظام الذي حددته الهيئة والذي ينتهي أحيانا بالرفت من الخدمة
العسكرية, إذ إن كل هذه الأخطاء والمخالفات مجرمة بالنسبة للائحة الهيئة
العسكرية.. وهذا يحدث مع أن القرآن الكريم نفسه والسنة الشريفة لم تجرما
أيا من هذه الأفعال.
كذلك فإن القرآن والسنة الشريفة لم يجرما عدم لبس الكرافتة ولم يجرما لبس
الجلابية أو البيجاما في أماكن العمل, ولم يجرما لبس الشبشب بدلا من
الحذاء.. ولكن مع ذلك فإن موظف البنك لا يستطيع أن يمارس هذه الأفعال في
مكان عمله الذي يخضع فيه للائحة البنك وشروطه.
إن الدكتور رئيس مجلس الشعب ـ وهو رجل مثقف ومتدين وحازم ـ لم يسمح لأحد
النواب برفع الأذان في قاعة مجلس الشعب وقام بتلقين من حاول ذلك درسا بليغا
وشديد اللهجة ـ فهدف النائب من وراء محاولته رفع الآذان لم يكن وراءه إلا
حب الظهور, وأن يكون محط الأنظار صوتا وصورة ـ كذلك فإن كل من يحاول من
رجال الشرطة إثارة أي زوبعة الآن, فإن غرضه بالطبع لا يخرج عن الرغبة في حب
الظهور والتي تحفزها الأنانية والذاتية المطلقة دون أي مراعاة لأي أبعاد
أخري, وعليهم أن يتقوا الله فيما يعملون ـ واتقاء الله ليس بإنماء اللحية..
بل بأن يجنبوا مصر مواطن الخطر, وأن تتمكنوا من أن تتخلصوا من الذاتية
والشهوات البغيضة.. فالوقت ليس مناسبا الآن واتقوا الله مرة أخري.
................


عزيز نوار