كل جديد ومتميز وحصرى تجدونه هنا فى ومضات السها
كل جديد ومتميز وحصرى تجدونه هنا فى ومضات السها
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


واحـــــة الإبــداع والفــن والتــألق
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
تأملات فى الادب المحمدى  Support

 

 تأملات فى الادب المحمدى

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
سعيدالعارف الضبع
المراقب العام للمنتدي



عدد المساهمات : 17528
العمر : 37
الموقع : الرياض

تأملات فى الادب المحمدى  Empty
مُساهمةموضوع: تأملات فى الادب المحمدى    تأملات فى الادب المحمدى  Icon_minitimeالأربعاء مايو 02, 2012 9:52 pm

كان صلى الله عليه وسلم يجيد آداب الصحبة والسلوك،( فكان إذا مشى مع صحابه يسوقهم أمامه فلا يتقدمهم،ويبدأ من لَقيه بالسلام،وكان إذا تكلم يتكلم بجوامع الكلم،كلامه فصل ، لا فضول ولا تقصير،أي على قدر الحاجة،وكان يقول:"من حُسن إسلام المرء تركُه ما لا يعنيه"،وكان يقول:" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليَقُل خيراً أو ليصمت"،وكان طويل السكوت ، دائم الفِكر،دمث الخُلُق،ليس بالجافي ولا المُهين،يعظِّم النعمة وإن قلَّت، لا تُغضبه الدنيا وما كان لها،فإذا تعرض للحق لم يعرفه أحد،وكان لا ينتصر لنفسه أبداً، و إذا غضب أعرض وأشاح ،وإذا فرح غض طرفه،كل ضحكه التبسم،وكان يشارك أصحابه في مباح أحاديثهم إذا ذكروا الدنيا ذكرها معهم،وإذا ذكروا طعاماً أو شراباً ذكره معهم،كان لا يعيب طعاما يقدم إليه أبداً،وإنما إذا أعجبه أكل منه وإن لم يعجبه تركه...وهو القائل:"أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً،و"إن مِن أحبكم إلىَّ وأقربهم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً "،وسُئل –صلى الله عليه وسلم عن البِر فقال"حسن الخلق"،وسُئل أي الأعمال أفضل،فقال:" حسن الخلق")(29)
(وكان صلى الله عليه وسلم يحرص أشد الحرص على أن يسود الود والألفة بين المسلمين،فكان يوصيهم- فيما يوصيهم- بقوله: "إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث ،فإن ذلك يُحزنه"
وقوله:"لا يقيمن أحدكم رجلاً من مجلسه ثم يجلس فيه... ولكن توسعوا،وتفسحوا يفسح الله لكم"
وقوله:" لا يحل لرجل أن يجلس بين اثنين إلا بإذنهما"
وقوله :" يُسلِّم الراكب على الماشي والماشي على القاعد،والقليل على الكثير،والصغير على الكبير"
ويحدثنا "كلوة بن الحنبل"فيقول:" بعثني صفوان بن أمية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهَدِيَّة فدخلت عليه، ولم استأذن ولم أسلم ، فقال لي الرسول:"إرجع فقل:" السلام عليكم ،أأدخل؟")(30)
ثم يتجلى سمو خُلُقه وحسن أدبه في حفاظه الشديد على كرامة الكائن البشري -الذي كرَّمه المولى سبحانه- ومراعاته الذكية لمشاعر الناس وأحاسيسهم،ومما يدل على ذلك :أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يواجه أحداً بأخطاءه وإنما كان يقول:
" ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا .." تاركاً الفاعل الحقيقي يحس بذنبه ويعرف خطأه دون أن يعرف الآخرون عنه شيئا.

ويحكي ( معاوية بن الحكم قائلاً : "بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت: (يرحمك الله) فرماني القوم بأبصارهم.
فقلت: واثكل أمياه،ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون أفخاذهم.
فلما رأيت أنهم يصمتونني سكت".
فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه... فو الله ما قهرني ولا ضربني ولا شتمني وإنما قال: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس... إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن..!" ) رواه مسلم(31)

وعلى الرغم من كل ذلك ؛ فقد كان دائماً يدعو ربه قائلاً:" اللهم كما حسَّنتَ خَلقي فحسِّن خُلُقي

منقووووووووووووول
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سعيدالعارف الضبع
المراقب العام للمنتدي



عدد المساهمات : 17528
العمر : 37
الموقع : الرياض

تأملات فى الادب المحمدى  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تأملات فى الادب المحمدى    تأملات فى الادب المحمدى  Icon_minitimeالأربعاء مايو 02, 2012 10:04 pm

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلاة وسلام على الهادي الأمين، النبي الأميّ المبعوث رحمة للعالمين وبعد،
فإن المتأمل في سيرة هذا النبي العظيم المتدبر أقواله ليجد من الكنوز ما لا يمكن أن يحصيه باحث وما لا يحيط به فرد، وإنني وقفت وتأملت كثيراً في أحاديثه صلى الله عليه وسلم فوجدت لغة سحرية لم تقلها العرب، تنفذ إلى كافة مستويات العقول فتستوطن بها، ومردّ هذا لا شك أنه - فداه أبي وأمي- لا ينطق عن الهوى ابتداءً وأنه يملك أدباً رفيعاً لم تملكه فصحاء العرب قاطبة، وإنه من المعلوم لدى كل بصير أن أسْـرَ ذاكرة الناس واحتلال مختلف توجهاتهم أمرٌ عسيرٌ لا يتأتى لكل أديب أو كاتب أو فيسلوف أو شاعر.هو المصطفى المختارُ كلُّ حديثه
فصيحٌ نفيسٌ بيّنُ القصدِ شـاملُ
إذا كان لم ينطقْه حتماً "عن الهوى"
فيا ليت شعري من تُراه يجادلُ!
إذا العَيُّ لم يدركْ بيانَ محمدٍ فليس له في عِيِّــــــه من يُماثـلُ
أبو ياسر

واعلم يا من تؤمن بحبيبك محمد عليه الصلاة والسلام أن من كمال هذا الإيمان استحضار دقائق ورقائق الحبيب، وتتبع أقواله وتدبرها؛ لأنه لا يستوي حب بلا متابعة ولا إيمان بلا تدبر، وحيثما وجدتَ حديثاً نبوياً فاعلم أنك وجدت كنزاً لغوياً ولو بدا لك سهل التركيب بيّن اللفظ هيّن الفهم! فتأمل.

والمتتبع لمحتوى المكتبة العربية على مدى قرون؛ يجد شحاً عجيباً في هذا الباب لا أدري ما مرده!
وربما كان الأمر متعلقاً بعزوف أعلام أهل السنة عامة عن الخوض في دراسة الجوانب الأسلوبية في القران والسنة لارتباط البلاغة في الغالب الأعم بالمعتزلة والأشاعرة... يقول الدكتور محمد بن علي الصامل في كتابه القيّم "المدخل إلى دراسة بلاغة أهل السنة" :
(استقرّ في أذهان بعض طلبة العلم الشرعي ارتباط البلاغة بالمعتزلة والأشاعرة وأنها لم تقم إلا بهم، وأن إخراجها من دائرتهم كإخراج السمك من الماء) ا.هـ. ص15
وهذا الأمر لا يبرر هذا العزوف والإحجام بل إنه يجب أن يكون محفزاً لتنقية البلاغة مما علق بها من انحرافات عقدية... يقول الدكتور الصامل في نفس الكتاب :
( كان ذلك دافعاً - يقصد المخالفات العقدية- لإثارة الدعوة إلى تخليص البلاغة مما يشوبها من مخالفات عقدية، فالحاجة إلى ذلك مشاهبة لحاجة الأدب والنقد إن لم تكن أشد) ا.هـ. ص17

وإنني أعجب من حجم الاحتفاء بنتاج الأدباء قاطبة وتحييد سيد الأدباء! ولا أجد مبرراً لترجماتٍ كالجبال لمفكري وفلاسفة الآخر الإغريقي والفارسي والروماني والهندي والصيني وإغفال ترجمة أصل الفكر وأسه! فوالله ما أحوجنا لترجمة الأدب النبوي من العربية لعربية اليوم التي تكاد تتصحر في ظل دعوات الهدم المنمقة بلباس التجديد، فضلاً عن سطوة العامية على ثقافة الأمة ومنابرها.

وأحسب أن طرق هذا المسلك من أساسيات العلوم لا من فضلاتها، وهو متحتمٌ في زمننا هذا تحديدا، فالمرحلة باتت أكثر إلحاحاً لفهم الهدي النبوي وسبر كنهه وجواهره؛ حيث تتعالى أصوات الناعقين من كل حدب وصوب، من أبناء هذه الأمة وأعدائها على السواء لتحريف المبادئ النبوية واعتسافها - علموا ذلك أو جهلوه - وفقاً لمقتضيات الهوى والنفاق والتربص.

ولتأصيل هذه التأملات يأتي حديث " فضل الرسول على سائر الرسل" كأهم شاهد في هذا الباب.
ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( بعثت بجوامع الكلم , ونصرت بالرعب , وبينا أنا نائم أُتيتُ بمفاتيح خزائن الأرض , فوضعت في يدي ). وفي رواية للترمذي ( فُضِّلْتُ على الأنبياء بستٍّ , أعطيت جوامع الكلم , ونصرت بالرعب , ......... الحديث).
قال الزهري:
" وبلغني أن جوامع الكلم أن الله يجمع الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين أو نحو ذلك "ا.هـ.

وقال الإمام أبو داود :
" نظرت في الحديث المسند فإذا هو أربعة آلاف حديث , ثم نظرت فإذا مدار أربعة آلاف الحديث على أربعة أحاديث , حديثِ النعمان بن بشير : ( الحلالُ بيِّنٌ والحرامُ بيِّن ), وحديث عمر) :إنما الأعمال بالنيات ), وحديث أبي هريرة : ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ......... الحديث ) , وحديث : ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) , قال : فكل حديث من هذه الأربعة ربع العلم "ا.هـ.

إن الأدب النبوي السامق كان محل إعجاب الصحابة رضي الله عنهم وهم من هم في فصاحتهم وقربهم لمنابع اللغة الصافية، وإن كانت الشواهد على هذا الإعجاب تتفاوت درجة صحتها ولكني أوردها هنا على سبيل الاستئناس طالما المعنى صحيح ويدعمه حديث صحيح كحديث "فضل الرسول على سائر الرسل" أعلاه، وقياساً على قاعدة العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال التي قررها الإمام أحمد وغيره من رجال الحديث يقول شيخ الاسلام ابن تيمية:
)ولا يجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة ، لكن أحمد بن حنبل وغيره من العلماء جوزوا أن يروى في فضائل الأعمال ما لم يعلم أنه ثابت إذا لم يعلم أنه كذب ، وذلك أن العمل إذا علم أنه مشروع بدليل شرعي وروى حديث لا يعلم أنه كذب جاز أن يكون الثواب حقاً ، ولم يقل أحد من الأئمة أنه يجوز أن يجعل الشيء واجباً أو مستحباً بحديث ضعيف ، ومن قال هذا فقد خالف الإجماع .. فيجوز أن يروى في الترغيب والترهيب ما لم يعلم أنه كذب ، ولكن فيما علم أن الله رغب فيه أو رهب منه بدليل آخر غير هذا المجهول حاله)ا.هـ . مجموع الفتاوى ج1 ص 250

فعن محمد بن عبد الرحمن الزهري عن أبيه عن جده‏ أن أبا بكر قال‏:‏ يا رسول الله‏ لقد طفت في العرب وسمعت فصحاءهم فما سمعت أفصح منك، فمن أدّبك‏؟‏ قال‏: (أدّبني ربي ونشأت في بني سعد)ا.هـ.
وعن علي بن أبي طالب، أنه قال‏:‏ (يا رسول الله كلنا من العرب فما بالك أفصحنا‏؟‏ فقال‏:‏ أتاني جبريل بلغة إسماعيل وغيرها من اللغات فعلمني إياها،) ا.هـ.
وأخرج ثابت السرقسطي في الدلائل بسند واه أن رجلا من بني سُليم قال للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ يا رسول الله أيُدالِك الرجلُ امرأتَه‏؟‏ قال نعم إذا كان مُلْفَجا. قال فقال له أبو بكر‏:‏ يا رسول الله، ما قال لك ‏؟‏ وما قلت له‏؟‏ قال‏:‏ قال لي أيماطل الرجل امرأته ‏(‏ أي في مهرها‏)‏ ‏؟‏ قلت نعم، إذا كان مفلسا، قال فقال أبو بكر رضي الله عنه ما رأيت أفصح منك، فمن أدبك يا رسول الله‏؟‏ قال أدبني ربي ونشأت في بني سعد‏.‏)ا.هـ.

ويقول ابن القيم في "زاد المعاد" :
كان صلى الله عليه وسلم افصحَ خلق اللّه، وأعذبَهم كلاماً، وأسرعَهم أداءً، وأحلاهم مَنْطِقاً، حتى أن كلامه لَيَاْخُذُ بمجامع القلوب، ويَسبي الأرواح، ويشهدُ له بذلك أعداؤه‏.‏ وكان إذا تكلم تكلَّم بكلام مُفصَّلِ مُبَيَّنٍ يعدُّه العادُّ، ليس بِهَذٍّ مُسرِعِ لا يُحفظ، ولا منقَطع تخلَّلُه السكتات بين أفراد الكلام، بل هديُه فيه أكملُ الهدي، قالت عائشة‏:‏ ما كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يَسْرُدُ سردَكم هذا، ولكن كان يتكلَّم بكلام بيِّنٍ فَصْلٍ يحفظه من جلس إليه...) ا.هـ. ج1 ص4

وفي هذا المبحث سأبدأ بمشيئة الله بإدراج نصوصٍ نبوية مع تبيين النواحي البلاغية والأسلوبية فيها وتحليل دلالاتها قدر الإمكان، وفقاً لبضاعتي المزجاة التي تطلبكم الرِفد والنقد والتصحيح، وليجلب كل ذي قدرة ما في الجعبة على نفس المنوال؛ كي نظفر بملفٍ عِلقٍ قلّ نظيره بين ردهات بيت الشبكة العنكبويتة الواهن.

************ (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أو إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل علي سخطك لك العتبى حتى ترضى لا حول ولا قوة إلا بك).

ها هو مشروع الدولة الإسلامية يتهدده الضعف وقلة الحيلة وتربص الأعداء... فتتشكل لا محالة عوامل تؤدي لليأس للإحباط للانكسار فالاكتئاب...
هذه حاله صلى الله عليه وآله وسلم حين أخرج من الطائف وهو الذي قدم إليها من مكة عارضاً نفسه مؤملاً النصرة والتصديق بعد وفاة عمه "أبي طالب" و زوجه "خديجة" رضي الله عنها وبعد أن نالت منه قريش وآذته بشكل لا يطيقه بشر..
وها هم سفهاء بني ثقيف يوغلون في السخرية و الحرب النفسية فيقول أحدهم‏:‏
هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك..
ويقول الآخر‏:
أما وجد الله أحداً أرسله غيرك‏؟‏
ويقول الثالث‏:
والله لا أكلمك أبداً لئن كنت رسولاً من الله كما تقول لأنت أعظم خطراً من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك‏.

فتتجلى إذ ذاك القدرة النبوية الفريدة في مواجهة الضغوط وانسداد الآفاق حيث يلجأ لربه تحت ظل شجرة عنب فتأمل كيف يصوغ الأديب الأول خطابه لرب الأرباب في وقت رهيب يُذهب الألباب وينسي الخطيبَ الخطاب ليفرغ أولى شحنات الهم والحزن مبتدئا بقوله:
( اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس)
خضوع ما بعده خضوع ووصف مكثّف لحال الذات يصوّر الضعف البشري، ولا أبلغ من هذا الطباق السهل الممتنع العجيب (ضعف قوتي) الذي يتحدر سلساً على إيقاع صيغة الإضافة، ثم يراكم المشهد المأساوي بـ (قلة حيلتي) وهذه إلماحة ذكية واقعية حيث لم تنعدم الحيلة ولكنها قلّت.. وهنا دقة خطيب في موقف عصيب فيا له من أديب!
ثم ينحدر مؤشر الوضع النفسي نحو أمد أعمق: (وهواني على الناس) هناك حيث التداعيات النفسية والشعور بغربة الذات.. لتتواكب الدلالة الصوتية في المدّ... مع حالة الدعاء والتضرع.
ثم لا ينسى الحبيب الأديب صلى الله عليه وسلم وسط هذه الأجواء المشحونة بالالتجاء والرجاء أن يعطي رب الأرباب حقه من النعت والتمجيد والثناء بما يناسب المقام (يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي) معتضداً بأداة النداء "يا" حيث المد مرة أخرى..
وهنا أقف لأتأمل هذه الصورة المزدوجة والتي ولدت تساؤلاً لدي وهو أنه صلى الله عليه وآله وسلم عندما خص نفسه بقوله (أنت ربي) هل كان يعني استثناء نفسه من "المستضعفين"؟ أم أنه كان يؤكد على ربوبية المولى عز وجل بتكرار يزيد في الخضوع والتذلل؟
ومهما تكن الغاية البلاغية، فإن تحديد صنف ممن هم تحت ربوبيته سبحانه من قبل نبيه صلى الله عليه وسلم هنا يدل على ترابط السياق وعدم انفلات وحدة النص عن جادة الفكرة في وقت كان فيه مؤشرالتفاعل والانفعال في تصاعد مطّرد.
وكأني به صلى الله عليه وسلم وقد توقف ملتقطاً أنفاسه ليبدأ منعطفا جديدا: (إلى من تكلني؟) يااااه.. سؤال تعجب مؤدب يبحر مستفهما نحو السيناريو المتوقع للحالة التي مهد لها مسبقا، حيث يستعطف الرب سبحانه أن لا يتركه لتنوشه الخصوم، (إلى بعيد يتجهمني) انظر في الخيار الأول هذا والذي أتى على هيئة سؤال كجواب للسؤال (إلى من؟) وتتجلى مرة أخرى الدلالة الصوتية لتعكس قتامة المشهد ت ج هـ هـ م ... ثم تخيل هذا المتجهم البعيد... إنها لا شك قمة التربص! لا وصف أبلغ للآخر - الذي أشبع تنظيرا في أيامنا هذه- من هاتين الكلمتين (بعيدٌ يتجهم) ورغم أن هذا هو الخيار الأقل خطراً عنده صلى الله عليه وسلم فما هو الخيار الأقرب؟ : ( إلى عدو ملكته أمري ) ما أصعبه من حصار! تأمل انتقاء المفردة عند الحبيب عليه وعلى آله الصلاة والسلام (ملّكته) حيث يشتدّ القيد لم يقل "أسلمته" أو "أوكلته" مثلاً ولكنه اختار فعل التمليك لتوضيح انعدام الفرص واستحالة الحرية لضعيفٍ هذا مآله عند عدوٍ هذه حاله!

ثم تنهض الروح النبوية الإيمانية المخلوقة على الصبر قاطعةً دابر الاحتمالات: ( إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي) وهنا تم ترتيب جملة فعل الشرط بمهارة لاحظ (بك علي) كان يمكنه أن يقول (بك غضب علي) ولكنه أخّر اسم (يكن) وأتى بجار ومجرور بشكل مزدوج مقدما الخبر ليشير إلى وقوع حالة الغضب الرباني مباشرة على العبد الفقير وهذا منتهى التبجيل والتعظيم لقدرة الخالق سبحانه من نبيه رغم حاله التي لا تكاد توصف، ثم يأتي جواب الشرط بنفي قاطع يؤصل للتسليم التام بقضاء الله وقدره بكلمة تختصر مجلدات ستكتب عن طلب رضى الله سبحانه (فلا أبالي.(

)ولكن عافيتك هي أوسع لي) استدراكُ محتاجٍ لعطاء مولاه... ليؤكد أن طلب العافية لا يتعارض مع التسليم بالابتلاء، (أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات) يتجلى البديع هنا مرة أخرى بطباق يحكي الحد الفاصل بين النور والظلام وأي نور! نور خالق النور فحقيق إذن أن يستعاذ به سبحانه وتعالى، (وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة) الله أكبر... نور لا منتهٍ يبدأ من النور وينتهي في النور على مدى الزمن وبعد نهاية الزمن، وهنا تتجلى القدرة النفسية الفائقة لدى سيد الخلق على الإطناب في تجلية قدرة المولى سبحانه وامتداد نوره وإشراقه على الكون كي ينعم بالصلاح، (من أن ينزل بي غضبك أو يحل علي سخطك) المستعاذ منه يأتي الآن بحلة بيانية أصيلة تنبي عن ثراء لغوي وفصاحة فالمترادفات هنا (ينزل / يحل) (غضبك / سخطك) لم تحشد حشوا! ولكنها والله أعلم متدرجة المستوى صعوداً وأحسب أن (الحلول) أكثر ديمومة وأشد وقعاً من (النزول) وكذلك (السخط) الذي هو ضد (الرضى) أعلى درجة من الغضب، وقد بدأ الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم بالأخف تفاؤلاً وتغليباً لحسن الظن بالله والله أعلم.

لك العتبى حتى ترضى) هنا محصلة الخضوع وقمة الخشوع تخيل هذا الحنين النابض بين ردهات "العتبى" والدعاء كما يكون الدعاء، وهذه المفردة تقولها العرب على عدة أوجه ولكن أنسبها لهذا المقام والأقرب لما عنى محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو قول ابن منظور في لسان العرب: (والعُتـْْبَى: فهو رُجوعُ الـمَعْتُوب علـيه إِلـى ما يُرْضِي العاتِبَ) بالله عليكم كيف يجرؤ أحد أن يقولها لبشر بعد هذا؟! إذن ها هو صلى الله عليه وآله وسلم يقرر ديمومة التطلع لرضى المولى سبحانه والدوران حول فلكه فهو المنجي وهو الناصر وهو المعين.

(لا حول ولا قوة إلا بك) ويختم رسول الهدى صلى الله عليه وآله وسلم هذا الدعاء بنفي أي مصدر للقوة من العدم فيربطها بالرب سبحانه، والمعنى هنا تكاملي باستخدام مفردتي (الحول والقوة) لتشكلا طرفي القدرة فلا غنى لأحد عنهما ولا غنى لهما عن قدرة الله سبحانه.

كان هذا النص من أكثف النصوص النبوية حساً وعاطفة وشكّل بلغته الرقيقة السلسة نبراساً لكل داعٍ سائل لربه، وكان رغم وضوحه ومباشرته ضاجاً بالصور البديعية التي تسمو بالناظر إلى نفحات إيمانية عبقة. عن أبي هريرة؛ قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
(‏والذي نفسي بيده، لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا‏، ولا تؤمنوا حتى تحابوا،‏ أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم‏؟‏ أفشوا السلام بينكم‏(.

هذا حديثٌ عظيمٌ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فراج يعقوب
مشرف عام
مشرف عام
فراج يعقوب


عدد المساهمات : 467
العمر : 64

تأملات فى الادب المحمدى  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تأملات فى الادب المحمدى    تأملات فى الادب المحمدى  Icon_minitimeالجمعة مايو 04, 2012 1:25 am



جزاك الله خيرا وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سعيدالعارف الضبع
المراقب العام للمنتدي



عدد المساهمات : 17528
العمر : 37
الموقع : الرياض

تأملات فى الادب المحمدى  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تأملات فى الادب المحمدى    تأملات فى الادب المحمدى  Icon_minitimeالجمعة مايو 04, 2012 9:32 am

عليه افضل الصلاة والسلام

شكرا شيخ فراج

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تأملات فى الادب المحمدى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ظهور النور المحمدى\محاضرة للشيخ فراج يعقوب
» تأملات...
» تأملات إيمانية فى الطبيعة الكونية
» تأملات فى الصلاة
» قصة الخضر مع موسى عليهما السلام "تأملات تربوية"

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: المنتدي الاسلامي :: إسلاميات-
انتقل الى: