التنكيت على الإخوان

طوال عصر مبارك كانت جماعة الإخوان محصنة ضد التنكيت، فالنكتة ليست
كائنا خسيسا تجرح الضعفاء أو المضطهدين، كان المصريون يتعاطفون معهم حتى
وإن لم يتحدثوا.. اكتفوا بالتعاطف العاجز.. ووجهوا سهام سخريتهم إلى عرش
مبارك انتقاما منه وإهانة له.








الآن الوضع تغير.. نزل مبارك عن عرشه ليركبه الإخوان.

كان منطقيا أن ينتظر المصريون على الإخوان ولو قليلا، قبل أن يجعلوهم
هدفا لسخرياتهم ونكاتهم، لكن يبدو أن الشعب لم يعد لديه صبر، فقد وضع
الإخوان على مذبح النكتة، ونزل فيهم تقتيلا وتذبيحا بلا رحمة، الشعب الآن
يتعامل مع من يحكمونه على طريقة تاجر التجزئة.. لابد أن يدفعوا الثمن فورا
دون تأجيل.. بعد أن ظل طويلا يتعامل مع مبارك على طريقة تاجر
الجملة..الذى جمع أموال البلد ووضعها فى حسابات سرية يملكها هو وأولاده..
ولا يريد أن يفصح عنها. هنا حديث ليس طويلا عن التنكيت على الإخوان..
الكلام واضح، فالنكتة عن جماعة سياسية تحترف العمل السياسى بما لا يستطيع
أن يتصوره أحد، ولذلك فلا داعٍ لأن يتنطع علينا أحدهم ويقول إننا عندما
نسخر من الإخوان.. نسخر بذلك من الإسلام.. فالبون أصبح شاسعا بين الجماعة
التى كانت تقول عن نفسها إنها قرآنية .. والجماعة التى تحتل الآن مقاعد
الأغلبية فى مجلس الشعب، وتريد أن تحتكر كل شىء فى مصر على طريقة سلفها
الحزب الوطنى.

موجة التنكيت على الإسلاميين بدأت مبكرا جدا، ربما منذ أن تركوا الثورة
فى الشارع، وذهبوا لخوض انتخابات مجلس الشعب، فى حرص شديد على أن يحصدوا
مقاعد البرلمان، فى محاولة محمومة لاحتكار كل شيء فى مصر.

هذا الشره الشديد للسلطة،جعل الإخوان هدفا لنكتة مقصودة ولها دلالة:

«لما الجيش قرر يرمى كوبونات فى عيد الثورة من الطيارات،إخوانى وقع فى
ايده كوبون مكتوب فيه مبروك كسبت كرسي.. الإخوانى قطع الكوبون وقال: عندنا
منه كتير».

هذه النكتة سبقتها نكتة أخرى مهينة فى الواقع.. لكنها كانت واقعية..
فبعد أن تم سحل فتاة فى ميدان التحرير أثناء فض اعتصام مجلس الوزراء، الذى
خلف وراءه 17 شهيدا، دعت القوى الوطنية إلى جمعة الشهيد، للتصعيد ضد من
قتلوا المصريين بدم بارد، لم تستجب جماعة الإخوان، قررت ألا تشارك.. كانت
لديها انتخابات مجلس الشعب التى أصبح واضحا أنها أهم لديها من دم الشهداء،
ولذلك لم يتردد المصريون فى إطلاق سخريتهم قالوا بلا مواربة:

«لما الرجالة ينزلوا الشارع.. الجماعة بتفضل قاعدة فى البيت»

لم تلتفت الجماعة إلى السخرية، اعتمدت على من يمكن أن نعتبرهم ظهيرا
شرعيا لها، تحدثوا عن تحريم التنكيت على الإسلاميين، أو السخرية منهم، لأن
هذا اعتداء على الدين، لكن هذه الحيلة لم تنطل على المصريين ولذلك بعد أن
تصدر الإخوان المشهد فى البرلمان، وبدأ تخاذلهم يطفو على السطح لاحقهم
المصريون بما أوجعهم.

الفارق بين التنكيت على مبارك والتنكيت على الإخوان، أن عصر مبارك كان
مسرحا للنكتة السرية التى كانت تتخفى خوفا من الملاحقة، أما الآن وقد سقط
حائط الخوف فالنكتة تواجه دون خوف أو تردد.

عندما بدا أن الإخوان يعشقون السلطة ويقدمون مصلحتهم على مصلحة الوطن، كانت النكتة:

«مواطن دعك الفانوس طلع له عفريت إخوانى، قال له: شبيك لبيك عبدك وبين
ايديك اطلب كل ما تتمناه يحضر لك فى التو واللحظة،المواطن قال له: عاوز
لبن العصفور، رد العفريت الإخوانى: ده طلب محال.. اطلب طلب تاني،قال له
المواطن: خلاص.. ممكن تخلى مصلحة مصر فوق مصلحتك الشخصية؟ فرد العفريت
الإخوانجى بسرعة: تحب لبن العصفور سخن ولا بارد ولا بسحلب».

كانت النكتة فى عصر مبارك مجهولة النسب، لكنها الآن معروفة الأم
والأب.. كثيرون ممن يكتبون على تويتر وفيس بوك قذفوا فى وجه الإخوان
بسخرياتهم، خاصة بعد خروجهم للاحتفال بما حققوه فى الثورة متجاهلين دم
الشهداء، ثم أدائهم الهزيل فى البرلمان.. وفى النهاية علاقتهم الملتبسة
والغامضة بالمجلس العسكري.

الكاريكاتير كان حاضرا.. فعندما اضطر الإخوان إلى الهروب من هتافات
الثوار ضدهم فى ميدان التحرير لجأوا إلى الصلاة وإلى إذاعة القرآن بصوت
مرتفع، هنا حضر المشهد الذى يجمع بين فريد شوقى وزكى رستم الذى يعلن فيه
زكى تاجر المخدرات أنه ينوى صلاة ركعتين لله فى غير أوقات الصلاة، فى
الفيلم قال له شوقي: عملتها قبلك، أما فى الكاريكاتير فقد قال له فريد
شوقي: الإخوان عملوها قبلك فى الميدان.

وفى البرلمان نال الإخوان قدرا كبيرا من السخرية، فقد «اعتقد المصريون
أنهم ينتخبون برلمانا يمثلهم، فإذا بهم يفاجأون ببرلمان يمثل عليهم».

ولأن الدكتور سعد الكتاتنى القيادى الإخوانى الكبير أصبح رئيسا لمجلس
الشعب.. فقد وجد نفسه فى منصة التنكيت، فعندما قال بعد أحداث حصار محيط
وزارة الداخلية التى أعقبت مجزرة بورسعيد، التى تعاملت فيها الداخلية مع
المتظاهرين بالخرطوش، وجدنا الكتاتنى يقول إن وزير الداخلية أكد له أن
الداخلية لم تستخدم الخرطوش، فلاحقته النكتة:

«الكتاتنى: وزير الداخلية أخبرنى أنه لا يوجد خرطوش.. على فكرة يا برنس وزير الداخلية قال لنا قبل كده إن إنت وجماعتك محظورين».

الكتاتنى الذى يغرق فى شبر ميه، ولم يظهر أى كرامة حتى الآن فى إدارته
لمجلس الشعب، لدرجة أنه يستجدى سكوت النواب حتى يتمكن من الحديث، رأى فيه
المصريون أنه نسخة مكررة من الدكتور سرور، رئيس المجلس السابق، وأحد رموز
عصر مبارك، ولذلك أصبح اسم الكتاتنى رسميا هو: «أحمد فتحى الكتاتنى سرور»
.. واستحضر الشباب بيت الشعر الشهير ليصبح: «قم للكتاتنى وفه التبجيلا..
كاد الكتاتنى أن يكون سرورا».. وفى تنويعة أخرى على نفس البيت: «قف
للكتاتنى والبس له طرطورا.. كاد الكتاتنى أن يكون سرورا».

لقد كانت صدمة للبعض أن يصعد سعد الكتاتنى إلى مقعد رئيس مجلس الشعب
فألصقوا به سخرية ذات دلالة، ف «الثورة بدأت بكنتاكي.. وانتهت بكتاتني»..
بل إن صورة الرجل الطيب أصبحت علامة تجارية لمحلات كنتاكى التى روج البعض
أن الثوار فى بداية الثورة كان يحصلون على وجبات منها فى إشارة سخيفة إلى
تخوينهم.

علاقة الإخوان بالسلطة كانت محل لتقدير النكتة، فعندما أعلن الفريق
سامى عنان نائب رئيس المجلس العسكرى ورئيس أركان حرب الجيش المصرى، أن
الشعب المصرى سيسمع خبرا سعيدا خلال أيام، رد أرباب السخرية عليه، بأن
«الجماعة على الأرجح حامل من المجلس العسكرى».. فالعلاقة الغامضة بين
المجلس والجماعة فى رأى الشعب ليست شرعية، بل هى علاقة محرمة وما ينتج
عنها محرم أيضا.

وعندما وقف الإخوان إلى مجلس الشعب إلى جوار وزير الداخلية محمد
إبراهيم، وبعد أن طالبوا بسحب الثقة منه عادوا ليمهدوا له الأرض وليخرجوه
من ورطة مذبحة بورسعيد،طرح الفيس بوك سؤال : «للأذكياء فقط.. إيه الفرق
بين البالونة والإخوان المسلمين؟ والإجابة: البالونة عمرها ما دافعت عن
اللى نفخها .. إنما الإخوان دافعوا عن وزير الداخلية».. لا يكف الإخوان
المسلمون «جماعة وحزبا» عن التأكيد على عملهم من أجل الشعب، وعلى تأييد
الشارع لهم.. وقد يكون فيما يقولون بعض من الحقيقة.. لكنه ليس كل الحق،
وعلى الإخوان أن ينتبهوا إلى أن الشعب الذى بدأ فى التنكيت عليهم لن
يتركهم إلا بعد أن يسقطهم تماما من على عرشهم الذى يعتقدون أنهم استولوا
عليه إلى الأبد.. قد يستهين الإخوان بسلاح النكتة.. قد لا يكسرهم بسهولة،
لكنه على الأقل بالنسبة لنا مؤشر على أن الشعب ليس راضيا.. سيقول الإخوان
إن من ينكتون عليهم قلة – ولا مانع لديهم من أن يقولوا إنها مندسة – وأن
هذه النكت لا تعبر أبدا عن رأى المصريين فيهم .. وحتى لو كان هذا صحيحا فقد
قاله مبارك قبلهم.. أو كما قاله فريد شوقى فى رصيف نمرة خمسة «مبارك
عملها قبلهم».








شاهد المحتوى الأصلي علي بوابة الفجر الاليكترونية - التنكيت على الإخوان



منقوول من جريدة الفجر

لا تعليق مؤقتاً