حريتنا ـ دينا ضياء
“في العادة لا يقلق من له أب، فكيف يقلق من له رب!”
“أتمني أن يصل الدين إلي أهل السياسة.. ولا يصل أهل الدين إلي السياسة”
“علينا أن نعلم أنه لا شيء يتم في كون الله مصادفة، بل كل شيء بقدر”
“والظالم حين يظلم لا يأخذ حق غيره فقط ، بل يُغري غيره من الأقوياء على أخذ حقوق الضعفاء وظلمهم، وإذا انتشر الظلم في مجتمع تأتي معه البطالة وتتعطّل حركة الحياة كلها”
“هل هذه عبودية تُذلنا أو تُعزنا ؟ إنها عبودية تُعزنا، فالذي نعبده يقول: ناموا أنتم؛ لأنني حي قيوم لا تأخذني سنة ولا نوم".
أشهر عبارات العالم الجليل الراحل "محمد متولي الشعراوي"، العالِم الذي يعد خير دليل على قول الله سبحانه وتعالى في حديثه القدسي "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ؛ صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له".
والشعراوي رحمه الله قد ترك لنا من العلوم ما ننتفع به حتى بعد سنوات وسنوات مرت على رحيله عن الدنيا، فلازالت أقوال العالم الجليل وكلماته الفاضلة محل دراسة وتردد بين الكثيرين والكثيرين.
صباه وطفولته ثم تعليمه
ولد فضيلة الشيخ في 15 ابريل عام 1911 بقرية صغيرة تسمى دقادوس بمركز ميت غمر في محافظة الدقهلية، وعرف عن اسرته ان نسبها يمتد الى اسرة الامام علي زين العابدين بن الحسين.
وحين بلغ الحادية عشر من عمره كان قد أتم حفظ القرآن الكريم كاملا ثم التحق في نفس العام الموافق 1922 بمعهد الزقازيق الابتدائي الازهري، ومنذ صغره ظهر عليه نبوغه جليا في حفظ الاقوال المأثورة والشعر، وبعد أن حصل على شهادة الابتدائية الازهرية عام 1923 التحق بالمعهد الثانوي الازهري وازداد لديه الاهتمام بالشعر والادب وكان ذو مكانة خاصة بين زملاؤه بالمعهد الذين اختاروه رئيسا لاتحاد الطلبة بالمعهد ثم اختاروه رئيسا لجمعية الادباء بالزقازيق.
وجاءت نقطة التحول الاولى في حياة الشيخ الجليل عندما جاءت رغبة والده لالحاقه بالازهر الشريف بالقاهرة، ورغم رغبة الشعراوي في ان يبقى بجوار اخوته ليساعدهم في زراعة الارض الا ان والده اصطحبه معه في زيارة للقاهرة جهز له بها السكن الخاص له ودفع له مصروفات الالتحاق لتبدا صفحة جديدة وهامة في حياة العالم الجليل.
وعرف عن الشيخ الراحل انه اشترط على والده لالتحاقه بالازهر ان يشتري له امهات الكتب في التراث واللغة وعلوم القرآن والتفاسير وكتب الحديث النبوي كنوع من التعجيز لوالده ليعود عن فكرته ولكن فاجأه الوالد بأن اشترى له كل ما اراد من كتب قائلا له اعلم يا بني انك لن تحتاج بدراستك لهذه الكتب والمجلدات ولكني آثرت شرائها حتى تنهل منها العلم وتساعدك على النبوغ كيفما تشاء.
ثم جاء عام 1937 ليلتحق الشيخ الراحل بكلية اللغة العربية، ثم انشغل بالحركة الوطنية والحركة الازهرية، فكان يتوجه هو وزملاؤه الى مقر ساحة الازهر الشريف ليلقى بالخطب مما جعله عرضة للاعتقال اكثر من مرة اثناء رئاسته لاتحاد الطلبة.
الوظائف والمناصب التي تقلدها
تخرج الشيخ الجليل عام 1940،وحصل على العالمية- لقب عالم في الدين- مع رخصة بالتدريس، وبعد تخرجه عين في المعهد الديني بطنطا ومنه انتقل الى المعهد الديني بالزقازيق ومنه انتقل الى المعهد الديني بالاسكندرية.
وبعد بضع سنين اكسبته الخبرة في العمل الديني سافر العالم الجليل الى السعودية ليعمل استاذا في الشريعة الاسلامية بجامعة ام القرى عام 1950.
ويحكى ان الشيخ الراحل اضطر لتدريس مادة العقائد رغم ان دراسته وتخصصه كان اصلا في اللغة ورغم ما كان يشكله ذلك الامر من صعوبة الا ان الشيخ الجليل تفوق به ولاقى تدريسه اعجاب الجميع.
ولكن حدث في عام 1963 خلاف بين الملك سعود والرئيس الراحل جمال عبد الناصر قام ذلك الاخير على اثره بمنع الشيخ من العودة للسعودية مرة اخرى.
وفي ذلك الوقت كان قد صدر قرارا بتعيينه مديرا لمكتب شيخ الازهر الشريف حسن المأمون، وحينذاك كان قد سافر بصفته رئيسا لبعثة الازهر بالجزائر والتي مكث بها لمدة قربت 7 سنوات قضاها جميعها في التدريس,
وقد صادف اثناء وجوده بالجزائر أن حدثت لمصر اقسى هزيمة عرفها التاريخ وانهزمت مصر في حرب 1967 التي عرفت بالنكسة، وكان دائما رد فعله على جل الهزائم التي واجهتها مصر هو السجود شكراً لاقصى الهزئم العسكرية، وقد علق على ذلك في برنامجه الشهير من الالف للياء بأن هزيمة مصر مبررة بحرف التاء قائلا- "بأن مصر لم تنتصر وهي في أحضان الشيوعية فلم يفتن المصريون في دينهم".
ثم عاد الشعراوي من الجزائر الى مصر وعين مديرا لاوقاف محافظة الغربية فترة من الزمن عقبها تعيينه وكيلا للدعوة والفكر، ثم وكيلا للازهر الشريف ثم عاد مرة اخرى الى السعودية ليدرس بجامعة الملك عبدالعزيز.
وفي عام 1967 وحين قام رئيس الوزراء آنذاك ممدوح سالم بتشكيل وزارته اختار الشيخ الجليل وزيرا للاوقاف وشئون الازهر والتي ظل به حتى اكتوبر 1978.
اسند اليه انشاء اول بنك مصري اسلامي- بنك فيصل الاسلامي- حين اصدر قرارا وزاريا بذلك وكان ذلك الامر وقتها من اختصاصات وزير المالية- حامد السايح آنذاك- الذي فوض الشيخ الجليل وسانده مجلس الشعب بالموافقة على قراره.
وفي سنة 1987م اختير عضواً بمجمع اللغة العربية (مجمع الخالدين).
وفي سنة 1980م عين عضوا بمجمع البحوث الاسلامية.
وفي سنة 1980م أختير عضواً بمجلس الشورى بجمهورية مصر العربية..
عرضت علية مشيخة الأزهر وكذا منصب في عدد من الدول الإسلامية لكنه رفض وقرر التفرغ للدعوة الإسلامية.
الجوائز والأوسمة التي حصل عليها
حين بلغ سن التقاعد في 15-4-1976 تم منحه وسام الاستحقاق من الدرجة الاولى قبل تعيينه وزيرا للاوقاف وشئون الازهر، تم منحه وسام الجمهورية من الطبقة الأولى عام 1983م وعام 1988م، ووسام في يوم الدعاة، ثم حصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب من جامعتي المنصورة والمنوفية.
تم اختياره من قبل رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة عضوًا بالهيئة التأسيسية لمؤتمر الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية، الذي تنظمه الرابطة، وعهدت إليه بترشيح من يراهم من المحكمين في مختلف التخصصات الشرعية والعلمية، لتقويم الأبحاث الواردة إلى المؤتمر.
جعلته محافظة الدقهلية شخصية المهرجان الثقافي لعام 1989م والذي تعقده كل عام لتكريم أحد أبنائها البارزين، وأعلنت المحافظة عن مسابقة لنيل جوائز تقديرية وتشجيعية، عن حياته وأعماله ودوره في الدعوة الإسلامية محلياً، ودولياً، ورصدت لها جوائز مالية ضخمة.
أسرته وحياته الخاصة
تزوج الشيخ الراحل وهو في الثانوية العامة وعن زواجه صغيرا فقد عرف عنه انها كانت رغبة والده الشخصية، حتى انه هو الذي اختار له زوجته فعاش معها حياة زوجية هادئة وكانت سندا له في كل مراحل حياته وانجب منها من الابناء خمسة، ثلاثة من الاولاد هم سامي وعبد الرحيم واحمد، ومن البنات اثنتان وهم فاطمة وصالحة.
من حياة الشيخ الراحل
ما رواه الشيخ الراحل في مذكراته:
"حكاية كوبري عباس، كانت حادثة شهيرة حين فتح الكوبري على بعض من طلاب مصر من عنصري الامة- على حد قول الشيخ الراحل- ليموت بعض منهم وبعد أن طالب الكثيرين بحفل تأبين للشهداء وبعد أن رفضت الحكومة كان لابد من التحايل على الموقف وبالفعل كان بطل هذا التحايل عضو لجنة حزب الوفد بالزقازيق حمدي المرغاوي الذي ادعى وفاة جدته وحين اقاموا سرادق العزاء مساءا وبدا توافد اعداد هائلة من المعزين ادركت الحكومة الموقف ولكنها لم تتمكن من منه حتى لا تصطدم بالاعداد الغفيرة من الجماهير.
وحينها صعد الشيخ الراحل ليلقى كلمته في تأبين الضحايا قائلًا: "شباب مات لتحيا أمته.. وقبر لتنشر رايته.. وقدم روحه للحتف والمكان قربانا لحريته ونهر الاستقلال"، ولأول مرة يصفق الجمهور في حفل تأبين. وتنازل له أصحاب الكلمة من بعده عن المدد المخصصة لهم. لكي ألقى قصيدتي التي أعددتها لتأبين الشهداء البررة.
من خواطره حول تفسير القرآن
يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي موضحـًا منهجه في التفسير: خواطري حول القرآن الكريم لا تعني تفسيراً للقرآن. وإنما هي هبات صفائية. تخطر على قلب مؤمن في آية أو بضع آيات.. ولو أن القرآن من الممكن أن يفسر. لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الناس بتفسيره. لأنه عليه نزل وبه انفعل وله بلغ وبه علم وعمل. وله ظهرت معجزاته. ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتفى بأن يبين للناس على قدر حاجتهم من العبادة التي تبين لهم أحكام التكليف في القرآن الكريم، وهي " افعل ولا تفعل".
هؤلاء قالو عن الشيخ الشعراوي
الدكتور/ يوسف القرضاوى: "الشيخ الشعراوى كان أحد كبار مفسرى القرآن الكريم،الذين سيبقى أثرهم طويلاً فى خدمة الدين الإسلامي"..
الدكتور/أحمد عمر هاشم: "إن الشعراوى أحد أبرز علماء الأمة الذين جدد الله تعالى على أيديهم، كما قال رسول الله، إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها".
الدكتور/ عبد الصبور شاهين: "كان فريد زمانه ،والكلمات بالنسبة له لا توفيه بعض قدره ،فقدره كبير فى قلوب المسلمين فى مصر والعالم كله".
جار الشيخ الراحل بالحسين/ الحاج مصطفى: "بدأت علاقتي بالشيخ الشعراوي بعد عودته من السعودية هو و أسرته ، و كنا كأسرة واحدة، ولما تزوج أبناؤه وانتقلت زوجته إلى الرفيق الأعلى أصبحنا نحن أسرته.. وكنت أمر عليه في الصباح وأنا ذاهب إلى عملي؛ لأطمئن عليه، ثم أعود إليه بعد الظهر لأجلس معه حتى يودع آخر ضيف من ضيوفه الكثيرين، وكان الشيخ يتحلى بأخلاق الصديقين، فلم نكن نسمع في بيته صوتاً، ولم يكن يجرح مشاعر أحد مطلقاً، ولم يرد أحداً يطلب عنده حاجة حزيناً أو مكسور الخاطر".
ويضيف: "أما في شهر رمضان فكان يكلفنا بإقامة مائدة الرحمن فوق السطوح من كثرة ما يأـي إلى مائدته، لدرجة أن عدد المترددين على المائدة في الشارع كان يبلغ حوالي ألف شخص، وكان كل واحد منهم يأخذ عشرين جنيهاً من الشيخ، وكان يقيم في السيدة نفيسة مائدة شبيهة لمائدة الحسين ، و كان يعطني قماشاً كثيراً أوزعه على الفقراء، وكان الشيخ لا يأكل وحده، بل لابد أن يأكل مع زائريه أو يبحث هو عمن يأكل معه، وأحياناً كان يحرص على أن يطعم كل من أتى إليه، فإذا اعتذر إليه الضيف أعطاه الشيخ طعامه و طعام أولاده ليعود به إلى منزله، ولم يكن أحد من الضيوف في الغالب يستطيع أن يرد رغبة الشيخ، وكان ضيوف الشيخ من كافة الطبقات و كان الوزراء يفدون إليه كثيراً سواء و هم في الوزارة أو خارجها".
وفاته ورحيله عن الحياة
في هدوء وفي فجر 17 يونيو عام 1998 رحل الامام والداعية الجليل في هدوء بعد رحلة من المعاناة مع المرض والتي واجهها الشيخ بما عرف عنه من رضا وتسليم بقضاء الله وقدره ورغم رحيله عن الحياة بجسده الا ان اقواله المأثورة وعلومه في الاسلام حية بيننا حتى الان ليبقى بها الشيخ الراحل حاضرا دائما في قلوب واذهان المصريين.